فصل: 375 - مسألة: وَالتَّطْبِيقُ فِي الصَّلاَةِ لاَ يَجُوزُ

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المحلى بالآثار في شرح المجلى بالاختصار **


370 - مسألة

فَمَنْ عَجَزَ عَنْ الرُّكُوعِ أَوْ عَنْ السُّجُودِ خَفَضَ لِذَلِكَ قَدْرَ طَاقَتِهِ فَمَنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ الإِيمَاءِ أَوْمَأَ‏.‏ وَمَنْ لَمْ يَجِدْ لِلزِّحَامِ أَنْ يَضَعَ جَبْهَتَهُ وَأَنْفَهُ لِلسُّجُودِ فَلْيَسْجُدْ عَلَى رَجُلٍ مِنْ أَمَامِهِ، أَوْ عَلَى ظَهْرِ مَنْ أَمَامَهُ‏.‏

وَبِهِ يَقُولُ أَبُو حَنِيفَةَ، وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ، وَالشَّافِعِيُّ

وقال مالك‏:‏ لاَ يَسْجُدُ عَلَى ظَهْرِ أَحَدٍ بُرْهَانُ صِحَّةِ قَوْلِنَا قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏لاَ يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إلاَّ وُسْعَهَاْ‏}‏‏.‏ وَقَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ إذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ‏.‏

وَرُوِّينَا عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الأَعْمَشِ عَنْ الْمُسَيِّبِ بْنِ رَافِعٍ‏:‏ أَنَّ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ قَالَ‏:‏ مَنْ آذَاهُ الْحَرُّ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَلْيَبْسُطْ ثَوْبَهُ وَيَسْجُدْ عَلَيْهِ، وَمَنْ زَحَمَهُ النَّاسُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ حَتَّى لاَ يَسْتَطِيعَ أَنْ يَسْجُدَ عَلَى الأَرْضِ فَلْيَسْجُدْ عَلَى ظَهْرِ رَجُلٍ وَعَنْ الْحَسَنِ‏:‏ إذَا اشْتَدَّ الزِّحَامُ فَإِنْ شِئْت فَاسْجُدْ عَلَى ظَهْرِ أَخِيك، وَإِنْ شِئْت فَإِذَا قَامَ الإِمَامُ فَاسْجُدْ وَعَنْ طَاوُوس‏:‏ إذَا اشْتَدَّ الزِّحَامُ فَأَوْمِ بِرَأْسِك مَعَ الإِمَامِ ثُمَّ اُسْجُدْ عَلَى أَخِيك‏.‏ وَعَنْ مُجَاهِدٍ سُئِلَ‏:‏ أَيَسْجُدُ الرَّجُلُ فِي الزِّحَامِ عَلَى رِجْلِ الرَّجُلِ قَالَ‏:‏ نَعَمْ وَعَنْ مَكْحُولٍ، وَالزُّهْرِيِّ مِثْلُ ذَلِكَ‏.‏ وَعَنْ مَعْمَرٍ عَنْ أَيُّوبَ السِّخْتِيَانِيِّ عَنْ نَافِعٍ عن ابْنِ عُمَرَ قَالَ‏:‏ إذَا كَانَ الْمَرِيضُ لاَ يَقْدِرُ عَلَى الرُّكُوعِ، وَلاَ عَلَى السُّجُودِ أَوْمَأَ بِرَأْسِهِ‏.‏ وَعَنْ قَتَادَةَ عَنْ أُمِّ الْحَسَنِ بْنِ أَبِي الْحَسَنِ قَالَتْ‏:‏ رَأَيْت أُمَّ سَلَمَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تَسْجُدُ عَلَى مِرْفَقَةٍ عَالِيَةٍ مِنْ رَمَدٍ كَانَ بِهَا‏.‏ وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ سَأَلَهُ أَبُو فَزَارَةَ عَنْ الْمَرِيضِ‏:‏ أَيَسْجُدُ عَلَى الْمِرْفَقَةِ الطَّاهِرَةِ قَالَ‏:‏ لاَ بَأْسَ بِهِ وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَيْضًا‏:‏ لاَ بَأْسَ أَنْ يَلُفَّ الْمَرِيضُ الثَّوْبَ وَيَسْجُدَ عَلَيْهِ‏.‏

371 - مسألة

وَمَنْ كَانَ بَيْنَ يَدَيْهِ طِينٌ لاَ يُفْسِدُ ثِيَابَهُ، وَلاَ يُلَوِّثُ وَجْهَهُ لَزِمَهُ أَنْ يَسْجُدَ عَلَيْهِ، فَإِنْ آذَاهُ لَمْ يَلْزَمْهُ رُوِّينَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ أَنَّهُ سَجَدَ عَلَى مَاءٍ وَطِينٍ وَانْصَرَفَ وَعَلَى جَبْهَتِهِ أَثَرُ الطِّينِ وَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ‏:‏ ‏{‏وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ‏}‏‏.‏

372 - مسألة

وَالْجُلُوسُ بَعْدَ رَفْعِ الرَّأْسِ مِنْ آخِرِ سَجْدَةٍ مِنْ الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ فَرْضٌ فِي كُلِّ صَلاَةٍ مُفْتَرَضَةٍ أَوْ نَافِلَةٍ، حَاشَا مَا ذَكَرْنَا قَبْلُ مِنْ أَنْوَاعِ الْوِتْرِ‏.‏ فَإِنْ كَانَ فِي صَلاَةٍ لاَ تَكُونُ إلاَّ رَكْعَتَيْنِ فَإِنَّهُ يُفْضِي بِمَقَاعِدِهِ إلَى مَا هُوَ عَلَيْهِ قَاعِدٌ وَيَنْصِبُ رِجْلَهُ الْيُمْنَى وَيَفْرِشُ الْيُسْرَى‏.‏ وَإِذَا كَانَ فِي صَلاَةٍ تَكُونُ ثَلاَثَ رَكَعَاتٍ أَوْ أَرْبَعًا جَلَسَ فِي هَذِهِ الْجِلْسَةِ عَلَى رِجْلِهِ الْيُسْرَى وَنَصَبَ الْيُمْنَى كَمَا قلنا وَيَجْلِسُ فِي الْجِلْسَةِ الآخِرَةِ الَّتِي تَلِي السَّلاَمَ مُفْضِيًا بِمُقَاعِدَةِ إلَى الأَرْضِ نَاصِبًا لِرِجْلِهِ الْيُمْنَى فَارِشًا لِلْيُسْرَى‏.‏ وَفَرْضٌ عَلَيْهِ، أَنْ يَتَشَهَّدَ فِي كُلِّ جِلْسَةٍ مِنْ الْجِلْسَتَيْنِ اللَّتَيْنِ ذَكَرْنَا‏:‏

حدثنا عبد الله بن ربيع، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، حدثنا ابْنُ الأَعْرَابِيِّ، حدثنا أَبُو دَاوُد، حدثنا عِيسَى بْنُ إبْرَاهِيمَ، حدثنا ابْنُ وَهْبٍ عَنْ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَلْحَلَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ عَطَاءٍ أَنَّهُ كَانَ جَالِسًا مَعَ نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَوَصَفُوا صَلاَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِي الصِّفَةِ‏:‏ فَإِذَا جَلَسَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ جَلَسَ عَلَى رِجْلِهِ الْيُسْرَى‏.‏ فَإِذَا جَلَسَ فِي الرَّكْعَةِ الأَخِيرَةِ قَدَّمَ رِجْلَهُ الْيُسْرَى وَجَلَسَ عَلَى مَقْعَدَتِهِ ‏.‏

وَبِهِ يَقُولُ الشَّافِعِيُّ، وَأَبُو سُلَيْمَانَ‏.‏

وقال أبو حنيفة وَمَالِكٌ‏:‏ الْجُلُوسُ فِي كِلْتَيْ الْجِلْسَتَيْنِ سَوَاءٌ‏.‏

قال علي‏:‏ هذا خِلاَفُ الأَثَرِ بِلاَ بُرْهَانٍ‏.‏ وَحَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ، حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ، حدثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ، حدثنا إِسْحَاقُ، هُوَ ابْنُ رَاهْوَيْهِ أَنَا جَرِيرٌ، هُوَ ابْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ عَنْ مَنْصُورٍ، هُوَ ابْنُ الْمُعْتَمِرِ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ‏:‏ قَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ إنَّ اللَّهَ هُوَ السَّلاَمُ، فَإِذَا قَعَدَ أَحَدُكُمْ فِي الصَّلاَةِ فَلْيَقُلْ‏:‏ التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ وَالصَّلَوَاتُ وَالطَّيِّبَاتُ، السَّلاَمُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ، السَّلاَمُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ، أَشْهَدُ أَنْ لاَ إلَهَ إلاَّ اللَّهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ‏.‏ وَرَوَاهُ شُعْبَةُ وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَزَائِدَةٌ كُلُّهُمْ عَنْ مَنْصُورٍ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عن ابْنِ مَسْعُودٍ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَرْفًا حَرْفًا وَرَوَاهُ يَحْيَى الْقَطَّانُ وَأَبُو مُعَاوِيَةَ وَالْفُضَيْلُ بْنُ عِيَاضٍ وَأَبُو نُعَيْمٍ وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ دَاوُد الْخُرَيْبِيِّ، وَوَكِيعٌ كُلُّهُمْ عَنْ الأَعْمَشِ عَنْ أَبِي وَائِلٍ بِإِسْنَادِهِ، وَلَفْظِهِ‏.‏ وَرَوَاهُ أَيْضًا عن ابْنِ مَسْعُودٍ بِإِسْنَادِهِ وَلَفْظِهِ أَبُو مَعْمَرٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَخْبَرةَ وَعَلْقَمَةُ، وَالأَسْوَدُ، وَأَبُو الْبَخْتَرِيُّ‏.‏ فَإِنْ تَشَهَّدَ امْرُؤٌ بِمَا رَوَاهُ أَبُو مُوسَى، وَابْنُ عَبَّاسٍ، وَابْنُ عُمَرَ، كُلُّهُمْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَحَسَنٌ‏.‏ وَاَلَّذِي تَخَيَّرْنَا هُوَ اخْتِيَارُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَأَحْمَدَ، وَدَاوُد وَاخْتَارَ الشَّافِعِيُّ مَا رَوَاهُ ابْنُ عَبَّاسٍ‏.‏ وَاخْتَارَ مَالِكٌ تَشَهُّدًا مَوْقُوفًا عَلَى عُمَرَ قَدْ خَالَفَهُ فِيهِ ابْنُهُ وَسَائِرُ مَنْ ذَكَرْنَا‏.‏ وَقَالَ بَعْضُ الْمُتَقَدِّمِينَ‏:‏ الْجُلُوسُ فِي الصَّلاَةِ لَيْسَ فَرْضًا

وقال أبو حنيفة‏:‏ الْجُلُوسُ مِقْدَارَ التَّشَهُّدِ فَرْضٌ وَلَيْسَ التَّشَهُّدُ فَرْضًا

وقال مالك‏:‏ الْجُلُوسُ فَرْضٌ، وَذِكْرُ اللَّهِ تَعَالَى فِيهِ فَرْضٌ وَلَيْسَ التَّشَهُّدُ فَرْضًا وَكُلُّ هَذِهِ الأَقْوَالِ خَطَأٌ لاَِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَرَ بِالتَّشَهُّدِ فِي الْقُعُودِ فِي الصَّلاَةِ، فَصَارَ التَّشَهُّدُ فَرْضًا، وَصَارَ الْقُعُودُ الَّذِي لاَ يَكُونُ التَّشَهُّدُ إلاَّ فِيهِ فَرْضًا، إذْ لاَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ غَيْرَ فَرْضٍ مَا لاَ يَتِمُّ الْفَرْضُ إلاَّ فِيهِ أَوْ بِهِ

رُوِّينَا عَنْ شُعْبَةَ عَنْ مُسْلِمٍ أَبِي النَّضْرِ سَمِعْت حَمْلَةَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ سَمِعْت عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ يَقُولُ‏:‏ لاَ صَلاَةَ إلاَّ بِتَشَهُّدٍ‏.‏ وَعَنْ نَافِعٍ مَوْلَى ابْنِ عُمَرَ‏:‏ مَنْ لَمْ يَتَكَلَّمْ بِالتَّشَهُّدِ فَلاَ صَلاَةَ لَهُ وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ

وقال بعضهم‏:‏ لَوْ كَانَ الْجُلُوسُ الأَوَّلُ فَرْضًا لَمَا أَجْزَأَتْ الصَّلاَةُ بِتَرْكِهِ إذَا نَسِيَهُ الْمَرْءُ

قال علي‏:‏ وهذا لَيْسَ بِشَيْءٍ، لاَِنَّ السُّنَّةَ الَّتِي جَاءَتْ بِوُجُوبِهِ هِيَ الَّتِي جَاءَتْ بِأَنَّ الصَّلاَةَ تُجْزِئُ بِنِسْيَانِهِ‏.‏ وَهُمْ يَقُولُونَ‏:‏ إنَّ الْجُلُوسَ عَمْدًا فِي مَوْضِعِ الْقِيَامِ فِي الصَّلاَةِ حَرَامٌ تَبْطُلُ الصَّلاَةُ بِتَعَمُّدِهِ، وَلاَ تَبْطُلُ بِنِسْيَانِهِ، وَكَذَلِكَ السَّلاَمُ قَبْلَ تَمَامِ الصَّلاَةِ، وَلاَ فَرْقَ فَعَادَ نَظَرُهُمْ ظَاهِرَ الْفَسَادِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏

373 - مسألة

قال أبو محمد عَلِيُّ بْنُ أَحْمَدَ‏:‏ وَيَلْزَمُهُ فَرْضٌ ‏"‏ أَنْ يَقُولَ إذَا فَرَغَ مِنْ التَّشَهُّدِ فِي كِلْتَيْ الْجِلْسَتَيْنِ اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ جَهَنَّمَ، وَأَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ وَمِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ، وَمِنْ شَرِّ فِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ وَهَذَا فَرْضٌ كَالتَّشَهُّدِ، وَلاَ فَرْقَ‏.‏ لِمَا حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ، حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ، حدثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ، حدثنا نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ، وَأَبُو كُرَيْبٍ، وَزُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، كُلُّهُمْ عَنْ وَكِيعِ بْنِ الْجَرَّاحِ، حدثنا الأَوْزَاعِيُّ عَنْ حَسَّانَ بْنِ عَطِيَّةَ، وَيَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ، قَالَ حَسَّانُ‏:‏ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي عَائِشَةَ‏.‏ وَقَالَ يَحْيَى عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ، كِلاَهُمَا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ‏:‏ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ إذَا تَشَهَّدَ أَحَدُكُمْ فَلِيَسْتَعِذْ بِاَللَّهِ مِنْ أَرْبَعٍ، يَقُولُ‏:‏ اللَّهُمَّ إنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ عَذَابِ جَهَنَّمَ، وَمِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ، وَمِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ، وَمِنْ شَرِّ فِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ‏.‏

قَالَ عَلِيٌّ‏:‏

فإن قال قائل‏:‏ فَقَدْ رَوَيْتُمْ هَذَا الْخَبَرَ مِنْ طَرِيقِ مُسْلِمٍ قَالَ‏:‏ حَدَّثَنَا زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حدثنا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ حَدَّثَنِي الأَوْزَاعِيُّ، حدثنا حَسَّانُ بْنُ عَطِيَّةَ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عَائِشَةَ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذَا فَرَغَ أَحَدُكُمْ مِنْ التَّشَهُّدِ الآخِرِ فَلْيَتَعَوَّذْ بِاَللَّهِ مِنْ أَرْبَعٍ ثُمَّ ذَكَرَهَا نَصًّا كَمَا أَوْرَدْنَاهَا‏.‏ قَالَ‏:‏ فَهَذَا خَبَرٌ وَاحِدٌ، وَزِيَادَةُ الْوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ زِيَادَةُ عَدْلٍ، فَهِيَ مَقْبُولَةٌ، فَإِنَّمَا يَجِبُ ذَلِكَ فِي التَّشَهُّدِ الآخِرِ فَقَطْ

قلنا‏:‏ لَوْ لَمْ يَكُنْ إلاَّ حَدِيثُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي عَائِشَةَ وَحْدَهُ لَكَانَ مَا ذَكَرْتَ لَكِنَّهُمَا حَدِيثَانِ كَمَا أَوْرَدْنَا، أَحَدُهُمَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي سَلَمَةَ، وَالثَّانِي مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي عَائِشَةَ، فَإِنَّمَا زَادَ الْوَلِيدُ عَلَى وَكِيعِ بْنِ الْجَرَّاحِ، وَبَقِيَ خَبَرُ أَبِي سَلَمَةَ عَلَى عُمُومِهِ فِيمَا يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ تَشَهُّدٍ، لاَ يَجُوزُ غَيْرُ هَذَا‏.‏ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ طَاوُوس‏:‏ أَنَّهُ صَلَّى ابْنُهُ بِحَضْرَتِهِ فَقَالَ لَهُ‏:‏ أَذَكَرْت هَذِهِ الْكَلِمَاتِ قَالَ‏:‏ لاَ، فَأَمَرَهُ بِإِعَادَةِ الصَّلاَةِ‏.‏

374 - مسألة

وَيُسْتَحَبُّ أَنْ يَقُولَ إذَا فَرَغَ مِنْ التَّشَهُّدِ مَا حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَبِيعٍ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ عن ابْنِ الْقَاسِمِ حَدَّثَنِي مَالِكٌ عَنْ نُعَيْمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُجْمِرِ‏:‏ أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدٍ الأَنْصَارِيَّ وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ زَيْدٍ هُوَ الَّذِي أَرَى النِّدَاءَ بِالصَّلاَةِ أَخْبَرَهُ عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ الأَنْصَارِيِّ، أَنَّهُ قَالَ أَتَانَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي مَجْلِسِ سَعْدِ بْنِ عُبَادَةَ فَقَالَ لَهُ بَشِيرُ بْنُ سَعْدٍ‏:‏ أَمَرَنَا اللَّهُ أَنْ نُصَلِّيَ عَلَيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَكَيْفَ نُصَلِّي عَلَيْكَ فَسَكَتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى تَمَنَّيْنَا أَنَّهُ لَمْ يَسْأَلْهُ، ثُمَّ قَالَ‏:‏ قُولُوا اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى آلِ إبْرَاهِيمَ وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى آلِ إبْرَاهِيمَ فِي الْعَالَمِينَ إنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ وَالسَّلاَمُ كَمَا قَدْ عَلِمْتُمْ‏.‏ وَمَا حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ، حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ، حدثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ، حدثنا إِسْحَاقُ، هُوَ ابْنُ رَاهْوَيْهِ، حدثنا رَوْحٌ عَنْ مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرِو بْنِ حَزْم عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَمْرُو بْنُ سُلَيْمٍ أَنَا أَبُو حُمَيْدٍ السَّاعِدِيُّ أَنَّهُمْ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ‏:‏ كَيْف نُصَلِّي عَلَيْكَ‏.‏ قَالَ‏:‏ قُولُوا‏:‏ اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى أَزْوَاجِهِ وَذُرِّيَّتِهِ كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى آلِ إبْرَاهِيمَ وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى أَزْوَاجِهِ وَذُرِّيَّتِهِ كَمَا بَارَكْتَ عَلَى آلِ إبْرَاهِيمَ إنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ‏.‏

فإن قال قائل‏:‏ لِمَ لَمْ تَجْعَلُوا الصَّلاَةَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي أَثَرِ التَّشَهُّدِ فَرْضًا بِهَذَيْنِ الْخَبَرَيْنِ وَيَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا‏}‏ كَمَا يَقُولُ الشَّافِعِيُّ

قلنا‏:‏ لاَِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَقُلْ‏:‏ إنَّ هَذَا الْقَوْلَ فَرْضٌ فِي الصَّلاَةِ،

وَلاَ يَحِلُّ لأَحَدٍ أَنْ يَزِيدَ فِي كَلاَمِهِ عليه السلام مَا لَمْ يَقُلْ، فَنَحْنُ نَقُولُ‏:‏ إنَّ هَذَا الْقَوْلَ فَرْضٌ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ أَنْ يَقُولَهُ مَرَّةً فِي الدَّهْرِ، فَإِذَا فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدْ صَلَّى عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَمَا أُمِرَ ثُمَّ يُسْتَحَبُّ لَهُ ذَلِكَ فِي الصَّلاَةِ وَغَيْرِهَا، فَهُوَ تَزَيُّدٌ مِنْ الأَجْرِ؛ وَقَدْ صَحَّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ‏:‏ مَنْ صَلَّى عَلَيَّ وَاحِدَةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ عَشْرًا‏.‏

فإن قيل‏:‏ مِنْ أَيْنَ اقْتَصَرْتُمْ عَلَى وُجُوبِ هَذَا مَرَّةً فِي الدَّهْرِ، وَلَمْ تُوجِبُوا تَكْرَارَ ذَلِكَ مَتَى ذُكِرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

قلنا‏:‏ إنَّ قَوْلَ ذَلِكَ مَرَّةً وَاحِدَةً وَاجِبٌ بِالنَّصِّ، لاَ يُمْكِنُ الاِقْتِصَارُ عَلَى أَقَلَّ مِنْ مَرَّةٍ،

وَأَمَّا الزِّيَادَةُ عَلَى الْمَرَّةِ فَنَحْنُ نَسْأَلُكُمْ‏:‏ كَمْ مِنْ مَرَّةٍ تُوجِبُونَ ذَلِكَ فِي الدَّهْرِ، أَوْ فِي الْحَوْلِ، أَوْ فِي الشَّهْرِ، أَوْ فِي الْيَوْمِ، أَوْ فِي السَّاعَةِ، وَلاَ يُقْبَلُ مِنْكُمْ تَحْدِيدُ عَدَدٍ دُونَ عَدَدٍ إلاَّ بِبُرْهَانٍ، وَلاَ سَبِيلَ إلَيْهِ؛ فَقَدْ امْتَنَعَ هَذَا بِضَرُورَةِ الْعَقْلِ

فَإِنْ قَالُوا‏:‏ نُوجِبُ ذَلِكَ فِي الصَّلاَةِ خَاصَّةً

قلنا‏:‏ لَيْسَ هَذَا مَوْجُودًا فِي الآيَةِ، وَلاَ فِي شَيْءٍ مِنْ الأَحَادِيثِ فَهُوَ دَعْوَى مِنْكُمْ بِلاَ بُرْهَانٍ

فإن قال قائل مِنْ غَيْرِ الشَّافِعِيِّينَ‏:‏ نَقُولُ بِإِيجَابِ ذَلِكَ مَتَى ذُكِرَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي صَلاَةٍ أَوْ غَيْرِهَا

قلنا‏:‏ أَيْضًا هَذَا لاَ يُوجَدُ لاَ فِي آيَةٍ، وَلاَ فِي الصَّحِيحِ مِنْ الأَخْبَارِ، وَإِنَّمَا جَاءَ هَذَا فِي حَدِيثٍ رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي أُوَيْسٍ عَنْ سُلَيْمَانَ بْنِ بِلاَلٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ هِلاَلٍ عَنْ سَعْدِ بْنِ إِسْحَاقَ بْنِ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ كَعْبًا وَهَذَا سَنَدٌ لاَ تَقُومُ بِهِ حُجَّةٌ؛ لاَِنَّ أَبَا بَكْرٍ مُتَكَلِّمٌ فِيهِ، وَمُحَمَّدُ بْنُ هِلاَلٍ مَجْهُولٌ؛ وَسَعْدُ بْنُ إِسْحَاقَ غَيْرُ مَشْهُورِ الْحَالِ‏.‏ وَلَقَدْ كَانَ يَلْزَمُ مَنْ رَأَى الصِّيَامَ فِي الاِعْتِكَافِ فَرْضًا بِدَلِيلٍ ذَكَرَهُ بَيْنَ آيَتَيْ صِيَامٍ‏:‏ أَنْ يَجْعَلَ الصَّلاَةَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الصَّلاَةِ فَرْضًا لِلأَمْرِ بِهَا مَعَ ذِكْرِ السَّلاَمِ الَّذِي عَلِمُوهُ، وَهُوَ إمَّا السَّلاَمُ الَّذِي فِي التَّشَهُّدِ فِي الصَّلاَةِ،

وَأَمَّا السَّلاَمُ مِنْ الصَّلاَةِ بِلاَ شَكٍّ، وَلَكِنَّهُمْ لاَ يَطَّرِدُونَ اسْتِدْلاَلَهُمْ عَلَى ضَعْفِهِ، وَلاَ يَلْتَزِمُونَ الأَدِلَّةَ الْوَاجِبَ قَبُولُهَا وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏

375 - مسألة

وَالتَّطْبِيقُ فِي الصَّلاَةِ لاَ يَجُوزُ، لاَِنَّهُ مَنْسُوخٌ‏.‏ وَهُوَ وَضْعُ الْيَدَيْنِ بَيْنَ الرُّكْبَتَيْنِ عِنْدَ الرُّكُوعِ فِي الصَّلاَةِ وَكَانَ ابْنُ مَسْعُودٍ رضي الله عنه يَفْعَلُهُ، وَيَضْرِبُ الأَيْدِيَ عَلَى تَرْكِهِ،

وَكَذَلِكَ أَصْحَابُهُ كَانُوا يَفْعَلُونَهُ‏:‏

رُوِّينَا ذَلِكَ مِنْ طَرِيقِ نُوحِ بْنِ حَبِيبٍ الْقُومِسِيِّ‏:‏ حدثنا ابْنُ إدْرِيسَ هُوَ عَبْدَ اللَّهِ عَنْ عَاصِمِ بْنِ كُلَيْبٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الأَسْوَدِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ‏:‏ عَلَّمَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصَّلاَةَ، فَقَامَ فَكَبَّرَ، فَلَمَّا أَرَادَ أَنْ يَرْكَعَ طَبَّقَ يَدَيْهِ بَيْنَ رُكْبَتَيْهِ وَرَكَعَ، فَبَلَغَ ذَلِكَ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ، فَقَالَ‏:‏ صَدَقَ أَخِي قَدْ كُنَّا نَفْعَلُ هَذَا، ثُمَّ أُمِرْنَا بِهَذَا، يَعْنِي الإِمْسَاكَ بِالرُّكَبِ قَالَ عَلِيٌّ‏:‏ قَدْ ذَكَرْنَا أَمْرَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِوَضْعِ الأَيْدِي عَلَى الرُّكَبِ فِي حَدِيثِ رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعٍ‏.‏

فَصَحَّ أَنَّهُ هُوَ الأَمْرُ الآخَرُ النَّاسِخُ لِلتَّطْبِيقِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏

376 - مسألة

فَإِذَا أَتَمَّ الْمَرْءُ صَلاَتَهُ فَلْيُسَلِّمْ، وَهُوَ فَرْضٌ لاَ تَتِمُّ الصَّلاَةُ إلاَّ بِهِ‏.‏ وَيُجْزِئُهُ أَنْ يَقُولَ ‏"‏ السَّلاَمُ عَلَيْكُمْ ‏"‏ أَوْ ‏"‏ عَلَيْكُمْ السَّلاَمُ ‏"‏ أَوْ ‏"‏ سَلاَمٌ عَلَيْكُمْ ‏"‏ أَوْ ‏"‏ عَلَيْكُمْ سَلاَمٌ ‏"‏ سَوَاءٌ كَانَ إمَامًا أَوْ مَأْمُومًا أَوْ فَذًّا؛ وَأَفْضَلُ ذَلِكَ أَنْ يَقُولَ كُلَّ مَنْ ذَكَرْنَا السَّلاَمُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ ‏"‏ عَنْ يَمِينِهِ ‏"‏ السَّلاَمُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ ‏"‏ عَنْ يَسَارِهِ‏.‏

قَالَ عَلِيٌّ‏:‏ بُرْهَانُ ذَلِكَ‏:‏ مَا حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ، حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ، حدثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ أَبِي خَلَفٍ، حدثنا مُوسَى بْنُ دَاوُد، حدثنا سُلَيْمَانُ بْنُ بِلاَلٍ عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ هُوَ الْخُدْرِيِّ قَالَ‏:‏ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ إذَا شَكَّ أَحَدُكُمْ فِي صَلاَتِهِ فَلَمْ يَدْرِ كَمْ صَلَّى ثَلاَثًا أَمْ أَرْبَعًا فَلْيَطْرَحْ الشَّكَّ وَلْيَبْنِ عَلَى مَا اسْتَيْقَنَ ثُمَّ يَسْجُدُ سَجْدَتَيْنِ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ‏.‏

حدثنا عبد الله بن ربيع، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَخْبَرَنِي الْحَسَنُ بْنُ إسْمَاعِيلَ بْنِ سُلَيْمَانَ الْمُجَالِدِيُّ، حدثنا فُضَيْلٌ، هُوَ ابْنُ عِيَاضٍ عَنْ مَنْصُورٍ، هُوَ ابْنُ الْمُعْتَمِرِ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ‏:‏ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَدِيثٍ ذَكَرَهُ إنَّمَا أَنَا بَشَرٌ أَنْسَى كَمَا تَنْسَوْنَ، فَأَيُّكُمْ نَسِيَ شَيْئًا فِي صَلاَتِهِ فَلِيَتَحَرَّ الَّذِي يَرَى أَنَّهُ صَوَابٌ ثُمَّ يُسَلِّمْ ثُمَّ يَسْجُدْ سَجْدَتَيْ السَّهْوِ‏.‏ فَقَدْ ثَبَتَ بِهَذَيْنِ الْخَبَرَيْنِ أَمْرُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالتَّسْلِيمِ مِنْ كُلِّ صَلاَةٍ، وَأَوَامِرُهُ عليه السلام فَرْضٌ، وَلَفْظَةُ التَّسْلِيمِ تَقْتَضِي مَا ذَكَرْنَاهُ‏.‏

حدثنا حمام، حدثنا ابْنُ مُفَرِّجٍ، حدثنا ابْنُ الأَعْرَابِيِّ، حدثنا الدَّبَرِيُّ، حدثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ وَمَعْمَرٍ كِلاَهُمَا عَنْ حَمَّادِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ أَبِي الضُّحَى عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ‏:‏ مَا نَسِيتُ فِيمَا نُسِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ يُسَلِّمُ عَنْ يَمِينِهِ‏:‏ السَّلاَمُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ، حَتَّى يُرَى بَيَاضُ خَدِّهِ، وَعَنْ يَسَارِهِ‏:‏ السَّلاَمُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ، حَتَّى يُرَى بَيَاضُ خَدِّهِ أَيْضًا‏.‏ وَرَوَاهُ أَيْضًا عن ابْنِ مَسْعُودٍ مُسْنَدًا أَبُو الأَحْوَصِ، وَأَبُو مَعْمَرٍ‏.‏ وَرَوَاهُ أَيْضًا سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ، وَابْنُ عُمَرَ كِلاَهُمَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏.‏ وَهُوَ فِعْلُ السَّلَفِ كَمَا حَدَّثَنَا عبد الله بن ربيع، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ، حدثنا إِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ، هُوَ ابْنُ رَاهْوَيْهِ، حدثنا أَبُو نُعَيْمٍ الْفَضْلُ بْنُ دُكَيْنٍ، حدثنا زُهَيْرٌ، هُوَ ابْنُ مُعَاوِيَةَ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الأَسْوَدِ عَنْ أَبِيهِ، وَعَلْقَمَةُ عن ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُكَبِّرُ فِي كُلِّ خَفْضٍ وَرَفْعٍ وَقِيَامٍ وَقُعُودٍ وَيُسَلِّمُ عَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ شِمَالِهِ‏:‏ السَّلاَمُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ، السَّلاَمُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ حَتَّى يُرَى بَيَاضُ خَدِّهِ، وَرَأَيْت أَبَا بَكْرٍ، وَعُمَرَ يَفْعَلاَنِهِ‏.‏ وَرُوِّينَاهُ أَيْضًا عَنْ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ، وَعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، وَابْنِ مَسْعُودٍ، وَجَمَاعَةٍ مِنْ الأَنْصَارِ، رضي الله عنهم،، وَعَنْ الصَّحَابَةِ جُمْلَةً، رضي الله عنهم، بِأَصَحِّ إسْنَادٍ يَكُونُ وَرُوِّينَاهُ عَنْ عَلْقَمَةَ، وَالأَسْوَدِ، وَخَيْثَمَةَ، وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَبِي لَيْلَى، وَالنَّخَعِيِّ‏.‏

وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ، وَسُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَأَبِي حَنِيفَةَ، وَالْحَسَنِ بْنِ حَيٍّ، وَأَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ، وَإِسْحَاقَ، وَأَبِي سُلَيْمَانَ وَجُمْهُورِ أَصْحَابِ الْحَدِيثِ‏.‏ وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ حَيٍّ‏:‏ التَّسْلِيمَتَانِ مَعًا فَرْضٌ‏.‏

وقال أبو حنيفة‏:‏ التَّسْلِيمَتَانِ اخْتِيَارٌ، وَلَيْسَ السَّلاَمُ مِنْ الصَّلاَةِ فَرْضًا؛ بَلْ إذَا قَعَدَ مِقْدَارَ التَّشَهُّدِ فَقَدْ تَمَّتْ صَلاَتُهُ‏.‏ فَإِنْ تَعَمَّدَ الْحَدَثَ أَوْ لَمْ يَتَعَمَّدْهُ، أَوْ تَعَمَّدَ الْقِيَامَ، أَوْ الْكَلاَمَ، أَوْ الْعَمَلَ فَذَلِكَ مُبَاحٌ، وَقَدْ تَمَّتْ صَلاَتُهُ وَالأَمَةُ تُصَلِّي مَكْشُوفَةَ الرَّأْسِ ثُمَّ تُعْتَقُ فِي آخِرِ صَلاَتِهَا بَعْدَ أَنْ جَلَسَتْ مِقْدَارَ التَّشَهُّدِ وَقَبْلَ أَنْ تُسَلِّمَ فَإِنَّ صَلاَتَهَا قَدْ تَمَّتْ‏.‏ وَمَنْ صَلَّى جَالِسًا لِمَرَضٍ ثُمَّ صَحَّ بَعْدَ أَنْ قَعَدَ مِقْدَارَ التَّشَهُّدِ فِي آخِرِ صَلاَتِهِ وَقَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ فَصَلاَتُهُ تَامَّةٌ‏.‏ وَمَنْ صَلَّى مُتَحَرِّيًا إلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ ثُمَّ عَرَفَ الْقِبْلَةَ بَعْدَ أَنْ قَعَدَ فِي آخِرِ صَلاَتِهِ مِقْدَارَ التَّشَهُّدِ وَلَمْ يُسَلِّمْ فَصَلاَتُهُ تَامَّةٌ إلاَّ فِي مَوَاضِعَ عَشْرَةٍ فَإِنَّهُ أَوْجَبَ السَّلاَمَ فِيهَا فَرْضًا، وَأَبْطَلَ صَلاَةَ مَنْ وَقَعَ لَهُ شَيْءٌ مِنْهَا وَإِنْ قَعَدَ مِقْدَارَ التَّشَهُّدِ مَا لَمْ يُسَلِّمْ وَهِيَ‏:‏ مَنْ صَلَّى بِتَيَمُّمٍ فَرَأَى الْمَاءَ بَعْدَ أَنْ قَعَدَ فِي آخِرِهَا مِقْدَارَ التَّشَهُّدِ وَلَمْ يُسَلِّمْ وَمَنْ صَلَّى وَهُوَ عُرْيَانُ ثُمَّ وَجَدَ مَا يُغَطِّي بِهِ عَوْرَتَهُ بَعْدَ أَنْ قَعَدَ مِقْدَارَ التَّشَهُّدِ إلاَّ أَنَّهُ لَمْ يُسَلِّمْ وَمَنْ صَلَّى الصُّبْحَ ثُمَّ طَلَعَ أَوَّلُ قُرْصِ الشَّمْسِ بَعْدَ أَنْ قَعَدَ مِقْدَارَ التَّشَهُّدِ فِي آخِرِ صَلاَتِهِ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ؛ فَلَوْ قَهْقَهَ بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَصَلاَتُهُ قَدْ بَطَلَتْ إلاَّ أَنَّهُ لَمْ يُسَلِّمْ‏:‏ انْتَقَضَ وُضُوءُهُ وَمَنْ تَمَّ لَهُ وَقْتُ الْمَسْحِ بَعْدَ أَنْ قَعَدَ مِقْدَارَ التَّشَهُّدِ فِي آخِرِ صَلاَتِهِ إلاَّ أَنَّهُ لَمْ يُسَلِّمْ وَمَنْ صَلَّى الْجُمُعَةَ فَخَرَجَ وَقْتُهَا وَدَخَلَ وَقْتُ الْعَصْرِ وَقَدْ قَعَدَ مِقْدَارَ التَّشَهُّدِ إلاَّ أَنَّهُ لَمْ يُسَلِّمْ وَمَنْ قَعَدَ فِي آخِرِ صَلاَتِهِ مِقْدَارَ التَّشَهُّدِ ثُمَّ ذَكَرَ قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ صَلاَةً فَاتَتْهُ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا خَمْسُ صَلَوَاتٍ فَأَقَلُّ وَالْمُسْتَحَاضَةُ خَرَجَ وَقْتُ الصَّلاَةِ الَّتِي هِيَ فِيهَا بَعْدَ أَنْ قَعَدَتْ فِي آخِرِهَا مِقْدَارَ التَّشَهُّدِ إلاَّ أَنَّهَا لَمْ تُسَلِّمْ وَمَنْ صَلَّى وَهُوَ لاَ يُحْسِنُ شَيْئًا مِنْ الْقُرْآنِ فَتَعَلَّمَ سُورَةً بَعْدَ أَنْ قَعَدَ فِي آخِرِ صَلاَتِهِ مِقْدَارَ التَّشَهُّدِ إلاَّ أَنَّهُ لَمْ يُسَلِّمْ وَمَنْ مَسَحَ عَلَى جِرَاحَةٍ بِهِ فَبَرِئَتْ بَعْدَ أَنْ جَلَسَ فِي آخِرِ صَلاَتِهِ مِقْدَارَ التَّشَهُّدِ، وَقَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ‏.‏ فَإِنَّ هَؤُلاَءِ كُلَّهُمْ تَبْطُلُ صَلاَتُهُمْ، وَيَلْزَمُهُمْ ابْتِدَاؤُهَا وَمَنْ صَلَّى وَهُوَ مُسَافِرٌ فَلَمَّا جَلَسَ فِي آخِرِ الرَّكْعَتَيْنِ مِقْدَارَ التَّشَهُّدِ، إلاَّ أَنَّهُ لَمْ يُسَلِّمْ فَنَوَى الإِقَامَةَ فَإِنَّ فَرْضًا عَلَيْهِ أَنْ يَأْتِيَ بِرَكْعَتَيْنِ يُصَلِّيهِمَا حَضَرِيَّةً؛ لَمْ يَخْتَلِفْ قَوْلُهُ فِي شَيْءٍ مِنْ هَذَا وَاخْتَلَفَ قَوْلُهُ فِيمَنْ صَلَّى وَهُوَ مَرِيضٌ نَائِمًا لاَ يَقْدِرُ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ ثُمَّ صَحَّ بَعْدَ أَنْ قَعَدَ فِي نِيَّتِهِ مِقْدَارَ التَّشَهُّدِ إلاَّ أَنَّهُ لَمْ يُسَلِّمْ وَمَنْ افْتَتَحَ الصَّلاَةَ وَهُوَ صَحِيحٌ ثُمَّ عَرَضَ لَهُ مَرَضٌ نَقَلَهُ إلَى الْجُلُوسِ، أَوْ الإِيمَاءِ بَعْدَ أَنْ قَعَدَ فِي آخِرِ صَلاَتِهِ مِقْدَارَ التَّشَهُّدِ وَلَمْ يُسَلِّمْ‏:‏ فَمَرَّةً قَالَ‏:‏ تَبْطُلُ صَلاَتُهُمْ وَيَبْتَدِئُونَهَا وَمَرَّةً قَالَ‏:‏ قَدْ تَمَّتْ صَلاَتُهُمْ

قَالَ عَلِيٌّ‏:‏ وَإِنَّمَا أَوْرَدْنَا هَذِهِ الْمَسَائِلَ لِنَرَى تَنَاقُضَ أَقْوَالِهِمْ، وَأَنَّهُمْ لَمْ يَتَعَلَّقُوا لاَ بِإِيجَابِ السَّلاَمِ فَرْضًا، وَلاَ بِتَرْكِ إيجَابِهِ، وَلاَ ثَبَتُوا عَلَى شَيْءٍ أَصْلاً وَهَذِهِ أَقْوَالٌ نَحْمَدُ اللَّهَ عَلَى السَّلاَمَةِ مِنْ مِثْلِهَا وَمِنْ الْعَجَبِ أَنَّ أَصْحَابَهُ لَمْ يُخْرِجُوا هَذَا مِنْهُ عَلَى أَنَّهُمَا قَوْلاَنِ لَهُ؛ بَلْ مَا زَالُوا يَشْغَبُونَ بِالْبَاطِلِ وَالْهَذْرِ فِي تَصْحِيحِ إسْقَاطِ فَرْضِ السَّلاَمِ جُمْلَةً إلاَّ فِي هَذِهِ الْمَوَاضِعِ؛ فَإِنَّهُمْ شَغَبُوا فِي إيجَابِ فَرْضِ السَّلاَمِ فِيهَا فَقَطْ، لَمْ يَخْتَلِفُوا فِي ذَلِكَ

وَأَمَّا قَوْلُ الْحَسَنُ بْنُ حَيٍّ فَلاَ دَلِيلَ عَلَى صِحَّتِهِ

وقال مالك‏:‏ السَّلاَمُ فَرْضٌ تَبْطُلُ صَلاَةُ مَنْ عَرَضَ لَهُ مَا يُبْطِلُ الصَّلاَةَ مَا لَمْ يُسَلِّمْ؛ إلاَّ، أَنَّهُ قَالَ‏:‏ الإِمَامُ وَالْفَذُّ لاَ يُسَلِّمَانِ إلاَّ تَسْلِيمَةً وَاحِدَةً، وَأَمَّا الْمَأْمُومُ فَإِنَّهُ إنْ لَمْ يَكُنْ عَنْ شِمَالِهِ أَحَدٌ سَلَّمَ تَسْلِيمَتَيْنِ‏:‏ إحْدَاهُمَا عَنْ يَمِينِهِ، وَالآُخْرَى يَرُدُّ بِهَا عَلَى الإِمَامِ، فَإِنْ كَانَ عَنْ يَسَارِهِ أَحَدٌ سَلَّمَ ثَالِثَةً رَدًّا عَلَى الَّذِي عَنْ يَسَارِهِ

قال علي‏:‏ وهذا أَيْضًا قَوْلٌ لاَ دَلِيلَ عَلَى صِحَّتِهِ، وَتَقْسِيمٌ لَمْ يَأْتِ بِهِ قُرْآنٌ، وَلاَ سُنَّةٌ، وَلاَ إجْمَاعٌ، وَلاَ قِيَاسٌ، وَلاَ قَوْلُ صَاحِبٍ؛ وَالإِمَامُ لَمْ يَقْصِدْ بِسَلاَمِهِ أَحَدًا، وَلَوْ فَعَلَ ذَلِكَ لَبَطَلَتْ صَلاَتُهُ؛ لاَِنَّهُ كَلاَمٌ مَعَ الْمُسَلَّمِ عَلَيْهِ، وَالْكَلاَمُ مَعَ غَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَغَيْرِ رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الصَّلاَةِ عَمْدًا مُبْطِلٌ لِلصَّلاَةِ وَبُرْهَانُ هَذَا‏:‏ أَنَّ الْمُصَلِّيَ كَانَ مَعَهُ أَحَدٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ فَإِنَّهُ يُسَلِّمُ عِنْدَ جَمِيعِهِمْ كَمَا يُسَلِّمُ الإِمَامُ‏.‏

فَصَحَّ أَنَّهُ خُرُوجٌ عَنْ الصَّلاَةِ، لاَ تَسْلِيمٌ عَلَى أَحَدٍ مِنْ النَّاسِ‏.‏ فَسَقَطَ هَذَانِ الْقَوْلاَنِ سُقُوطًا بَيِّنًا دُونَ كُلْفَةٍ وَلِلَّهِ الْحَمْدُ

قَالَ عَلِيٌّ‏:‏ وَبَقِيَ قَوْلُ مَنْ لَمْ يَرَ التَّسْلِيمَ مِنْ الصَّلاَةِ فَرْضًا، وَقَوْلُ مَنْ اخْتَارَ تَسْلِيمَةً وَاحِدَةً، مِمَّنْ لَمْ يَضْطَرِبْ قَوْلُهُ فِي ذَلِكَ؛ فَوَجَدْنَا مَنْ لاَ يَرَى التَّسْلِيمَ فَرْضًا يَحْتَجُّ بِمَا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ عَاصِمِ بْنِ عَلِيٍّ‏:‏ حدثنا زُهَيْرُ بْنُ مُعَاوِيَةَ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ الْحُرِّ عَنْ الْقَاسِمِ بْنِ مُخَيْمِرَةَ أَخَذَ عَلْقَمَةُ بِيَدِي وَحَدَّثَنِي‏:‏ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ أَخَذَ بِيَدِهِ، وَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخَذَ بِيَدِ عَبْدِ اللَّهِ فَعَلَّمَهُ التَّشَهُّدَ فِي الصَّلاَةِ فَذَكَرَ التَّشَهُّدَ، قَالَ‏:‏ فَإِذَا قُلْتَ هَذَا فَقَدْ قَضَيْتَ صَلاَتَكَ إنْ شِئْتَ أَنْ تَقُومَ فَقُمْ، وَإِنْ شِئْتَ أَنْ تَقْعُدَ فَاقْعُدْ‏.‏

قَالَ عَلِيٌّ‏:‏ وَهَذِهِ الزِّيَادَةُ انْفَرَدَ بِهَا الْقَاسِمُ بْنُ مُخَيْمِرَةَ، وَلَعَلَّهَا مِنْ رَأْيِهِ وَكَلاَمِهِ، أَوْ مِنْ كَلاَمِ عَلْقَمَةَ، أَوْ مِنْ كَلاَمِ عَبْدِ اللَّهِ وَقَدْ رُوِيَ هَذَا الْحَدِيثُ عَنْ عَلْقَمَةَ‏:‏ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ وَهُوَ أَضْبَطُ مِنْ الْقَاسِمِ فَلَمْ يَذْكُرْ هَذِهِ الزِّيَادَةَ‏.‏ كَمَا حَدَّثَنَا عبد الله بن ربيع، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَخْبَرَنِي مُحَمَّدُ بْنُ جَبَلَةَ قَالَ‏:‏ حدثنا الْعَلاَءُ بْنُ هِلاَلٍ الرَّقِّيُّ حَدَّثَنِي عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو الرَّقِّيُّ عَنْ زَيْدٍ، هُوَ ابْنُ أَبِي أُنَيْسَةَ عَنْ حَمَّادٍ، هُوَ ابْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ قَيْسٍ عن ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ كُنَّا لاَ نَدْرِي مَا نَقُولُ إذَا صَلَّيْنَا، فَعَلَّمَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَوَامِعَ الْكَلِمِ، فَقَالَ لَنَا‏:‏ قُولُوا‏:‏ التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ وَالصَّلَوَاتُ وَالطَّيِّبَاتُ، السَّلاَمُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ، السَّلاَمُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ، أَشْهَدُ أَنْ لاَ إلَهَ إلاَّ اللَّهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ‏.‏ قَالَ عَلْقَمَةُ‏:‏ لَقَدْ رَأَيْتُ ابْنَ مَسْعُودٍ يُعَلِّمُنَا هَؤُلاَءِ الْكَلِمَاتِ كَمَا يُعَلِّمُنَا الْقُرْآنَ‏.‏ ثُمَّ لَوْ صَحَّ أَنَّ هَذِهِ الزِّيَادَةَ مِنْ كَلاَمِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَكَانَ مَا ذَكَرْنَا قَبْلُ مِنْ أَمْرِهِ عليه السلام زِيَادَةَ حُكْمٍ لاَ يَجُوزُ تَرْكُهَا وَقَدْ صَحَّ عن ابْنِ مَسْعُودٍ إيجَابُ التَّسْلِيمِ فَرْضًا

كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ‏:‏ حدثنا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ عَنْ أَبِي الأَحْوَصِ عن ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ‏:‏ حَدُّ الصَّلاَةِ التَّكْبِيرُ وَانْقِضَاؤُهَا التَّسْلِيمُ فَوَضَحَ بِهَذَا أَنَّ تِلْكَ الزِّيَادَةَ إمَّا أَنَّهَا مِمَّنْ بَعْدَ ابْنِ مَسْعُودٍ، وَأَمَّا أَنَّهَا عِنْدَ ابْنِ مَسْعُودٍ مَنْسُوخَةٌ، وَالْحُجَّةُ كُلُّهَا فِيمَا ذَكَرْنَا مِنْ أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالسَّلاَمِ مِنْ الصَّلاَةِ‏.‏

وَأَمَّا مَنْ رَأَى تَسْلِيمَةً وَاحِدَةً وَكَرِهَ مَا زَادَ، فَإِنَّهُمْ احْتَجُّوا بِأَخْبَارٍ‏:‏ مِنْهَا مِنْ طَرِيقِ أَبِي الْمُصْعَبِ عَنْ الدَّرَاوَرْدِيِّ مِنْ طَرِيقِ سَعْدٍ‏.‏ وَالثَّابِتُ مِنْ طَرِيقِ سَعْدٍ أَنَّهُ عليه السلام كَانَ يُسَلِّمُ تَسْلِيمَتَيْنِ‏.‏ وَبِآثَارٍ وَاهِيَةٍ‏:‏ مِنْهَا مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ الْفَرَجِ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ يُونُسَ؛ وَكِلاَهُمَا مَجْهُولٌ أَوْ مُرْسَلٌ مِنْ طَرِيقِ الْحَسَنِ أَوْ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ زُهَيْرٍ، وَهُوَ ضَعِيفٌ أَوْ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ لَهِيعَةَ، وَهُوَ سَاقِطٌ وَلَوْ صَحَّتْ لَكَانَتْ أَحَادِيثُ التَّسْلِيمَتَيْنِ زِيَادَةً يَكُونُ الْفَضْلُ فِي الأَخْذِ بِهَا فَإِنْ ذَكَرَ ذَاكِرٌ‏:‏ حَدِيثَ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ كُنَّا إذَا صَلَّيْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ

قلنا‏:‏ السَّلاَمُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ، السَّلاَمُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ، وَأَشَارَ بِيَدِهِ إلَى الْجَانِبَيْنِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى مَا تُومِئُونَ بِأَيْدِيكُمْ كَأَنَّهَا أَذْنَابُ خَيْلٍ شُمْسٍ إنَّمَا يَكْفِي أَحَدَكُمْ أَنْ يَضَعَ يَدَهُ عَلَى فَخِذِهِ ثُمَّ يُسَلِّمَ عَلَى أَخِيهِ عَنْ يَمِينِهِ وَشِمَالِهِ‏.‏

قال علي‏:‏ هذا إنْ كَانَ فِي السَّلاَمِ الَّذِي يَخْرُجُ بِهِ مِنْ الصَّلاَةِ فَهُوَ مَنْسُوخٌ بِلاَ شَكٍّ، بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّ هَذِهِ الصَّلاَةَ لاَ يَصْلُحُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ كَلاَمِ النَّاسِ‏.‏ وَهَذَا أَمْرٌ لَمْ يَخْتَلِفْ أَحَدٌ مِنْ الآُمَّةِ فِي أَنَّهُ مُحْكَمٌ؛ ثُمَّ ادَّعَى قَوْمٌ تَخْصِيصَهُ فِي بَعْضِ الأَحْوَالِ، فَإِذْ هُوَ كَذَلِكَ فَهُوَ النَّاسِخُ لِمَا كَانُوا عَلَيْهِ قَبْلُ مِنْ إبَاحَةِ التَّسْلِيمِ وَرَدِّهِ فِي الصَّلاَةِ؛ فَصَحَّ أَنَّ ذَلِكَ مَنْسُوخٌ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏

377 - مسألة

وَكُلُّ مَنْ سَهَا عَنْ شَيْءٍ مِمَّا ذَكَرْنَا فَإِنَّهُ فَرْضٌ عَلَيْهِ حَتَّى رَكَعَ لَمْ يُعْتَدَّ بِتِلْكَ الرَّكْعَةِ، وَقَضَاهَا إذَا أَتَمَّ الإِمَامُ إنْ كَانَ مَأْمُومًا، وَكَذَلِكَ يُلْغِيهَا الْفَذُّ وَالإِمَامُ، وَيُتِمَّانِ صَلاَتَهُمَا، وَعَلَى جَمِيعِهِمْ سُجُودُ السَّهْوِ؛ لاَِنَّهُمْ لَمْ يَأْتُوا بِالرَّكْعَةِ كَمَا أُمِرُوا، وَكُلُّ مَا أَمَرَ بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُعْمَلَ فِي مَكَان مِنْ الصَّلاَةِ فَلاَ يَجُوزُ أَنْ يُعْمَلَ فِي غَيْرِ ذَلِكَ الْمَوْضِعِ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ‏}‏‏.‏

378 - مسألة

وَلاَ يَحِلُّ تَعَمُّدُ الْكَلاَمِ مَعَ أَحَدٍ مِنْ النَّاسِ فِي الصَّلاَةِ، لاَ مَعَ الإِمَامِ فِي إصْلاَحِ الصَّلاَةِ، وَلاَ مَعَ غَيْرِهِ، فَإِنْ فَعَلَ بَطَلَتْ صَلاَتُهُ وَلَوْ قَالَ فِي صَلاَتِهِ‏:‏ رَحِمَك اللَّهُ يَا فُلاَنُ، بَطَلَتْ صَلاَتُهُ‏.‏ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الرَّبِيعِ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ، حدثنا ابْنُ الأَعْرَابِيِّ، حدثنا أَبُو دَاوُد، حدثنا مُوسَى بْنُ إسْمَاعِيلَ، حدثنا أَبَانُ، هُوَ ابْنُ يَزِيدَ الْعَطَّارُ، حدثنا عَاصِمُ، هُوَ ابْنُ أَبِي النَّجُودِ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عن ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ كُنَّا نُسَلِّمُ فِي الصَّلاَةِ وَنَأْمُرُ بِحَاجَاتِنَا، فَقَدِمْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يُصَلِّي، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيَّ السَّلاَمَ، فَأَخَذَنِي مَا قَدُمَ وَمَا حَدَثَ، فَلَمَّا قَضَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الصَّلاَةَ قَالَ‏:‏ إنَّ اللَّهَ يُحْدِثُ مِنْ أَمْرِهِ مَا يَشَاءُ، وَإِنَّ اللَّهَ قَدْ أَحْدَثَ أَنْ لاَ تَكَلَّمُوا فِي الصَّلاَةِ فَرَدَّ عَلَيَّ السَّلاَمَ‏.‏

379 - مسألة

وَلاَ يَجُوزُ لاَِحَدٍ أَنْ يُفْتِيَ الإِمَامَ إلاَّ فِي أُمِّ الْقُرْآنِ وَحْدَهَا‏.‏ فَإِنْ الْتَبَسَتْ الْقِرَاءَةُ عَلَى الإِمَامِ فَلْيَرْكَعْ، أَوْ فَلْيَنْتَقِلْ إلَى سُورَةٍ أُخْرَى، فَمَنْ تَعَمَّدَ إفْتَاءَهُ وَهُوَ يَدْرِي أَنَّ ذَلِكَ لاَ يَجُوزُ لَهُ بَطَلَتْ صَلاَتُهُ بُرْهَانُ ذَلِكَ‏:‏ مَا قَدْ ذَكَرْنَاهُ بِإِسْنَادِهِ مِنْ قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَتَقْرَءُونَ خَلْفِي قَالُوا‏:‏ نَعَمْ، قَالَ‏:‏ فَلاَ تَفْعَلُوا إلاَّ بِأُمِّ الْقُرْآنِ فَوَجَبَ أَنَّ مَنْ أَفْتَى الإِمَامَ لاَ يَخْلُو مِنْ أَحَدِ وَجْهَيْنِ‏:‏ إمَّا أَنْ يَكُونَ قَصَدَ بِهِ قِرَاءَةَ الْقُرْآنِ؛ أَوْ لَمْ يَقْصِدْ بِهِ قِرَاءَةَ الْقُرْآنِ‏.‏ فَإِنْ كَانَ قَصَدَ بِهِ قِرَاءَةَ الْقُرْآنِ فَهَذَا لاَ يَجُوزُ، لاَِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى أَنْ يَقْرَأَ الْمَأْمُومُ شَيْئًا مِنْ الْقُرْآنِ حَاشَا أُمِّ الْقُرْآنِ‏.‏ إنْ كَانَ لَمْ يَقْصِدْ بِهِ قِرَاءَةَ الْقُرْآنِ فَهَذَا لاَ يَجُوزُ لاَِنَّهُ كَلاَمٌ فِي الصَّلاَةِ، وَقَدْ أَخْبَرَ عليه السلام أَنَّهُ لاَ يَصْلُحُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ كَلاَمِ النَّاسِ‏.‏

وَهُوَ قَوْلُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَغَيْرِهِ ‏.‏

وَبِهِ يَقُولُ أَبُو حَنِيفَةَ‏:‏

فَإِنْ ذَكَرُوا خَبَرًا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ كَثِيرٍ الأَسَدِيِّ عَنْ الْمِسْوَرِ بْنِ يَزِيدَ الأَسَدِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَسِيَ آيَةً فِي الصَّلاَةِ، فَلَمَّا سَلَّمَ ذَكَّرَهُ رَجُلٌ بِهَا، فَقَالَ لَهُ‏:‏ أَفَلاَ أَذْكَرْتَنِيهَا‏.‏ فَإِنَّ هَذَا مُوَافِقٌ لِمَعْهُودِ الأَصْلِ مِنْ إبَاحَةِ الْقِرَاءَةِ فِي الصَّلاَةِ، وَبِيَقِينٍ نَدْرِي أَنَّ نَهْيَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَقْرَأَ خَلْفَهُ إلاَّ بِأُمِّ الْقُرْآنِ فَنَاسِخٌ لِذَلِكَ وَمَانِعٌ مِنْهُ، وَلاَ يَجُوزُ الْعَوْدُ إلَى حَالٍ مَنْسُوخَةٍ بِدَعْوَى كَاذِبَةٍ فِي عَوْدِيِّهَا‏.‏

380 - مسألة

وَمَنْ تَكَلَّمَ سَاهِيًا فِي الصَّلاَةِ فَصَلاَتُهُ تَامَّةٌ؛ قَلَّ كَلاَمُهُ أَوْ كَثُرَ، وَعَلَيْهِ سُجُودُ السَّهْوِ فَقَطْ،

وَكَذَلِكَ إنْ تَكَلَّمَ جَاهِلاً‏.‏

وقال أبو حنيفة‏:‏ الْكَلاَمُ فِي الصَّلاَةِ عَمْدًا وَسَهْوًا سَوَاءٌ‏:‏ تَبْطُلُ بِكِلَيْهِمَا؛ وَرَأَى السَّلاَمَ فِي الصَّلاَةِ عَمْدًا يُبْطِلُهَا، وَلاَ يُبْطِلُهَا إذَا كَانَ سَهْوًا وَهَذَا تَنَاقُضٌ بُرْهَانُ صِحَّةِ قَوْلِنَا‏:‏ قَوْلُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ‏:‏ ‏{‏لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ‏}‏‏.‏

حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ أَنَسٍ، حدثنا الْحُسَيْنُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْجُرْجَانِيِّ، حدثنا عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَبْدِ الْحَمِيدِ الشِّيرَازِيِّ أَخْبَرَتْنَا فَاطِمَةُ بِنْتُ الْحَسَنِ بْنِ الرَّيَّانِ الْمَخْزُومِيِّ وَرَّاقِ بَكَّارِ بْنِ قُتَيْبَةَ الْقَاضِي قَالَتْ‏:‏ حدثنا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ الْمُؤَذِّنُ، حدثنا بِشْرُ بْنُ بَكْرٍ عَنْ الأَوْزَاعِيِّ عَنْ عَطَاءِ بْنِ أَبِي رَبَاحٍ عَنْ عُبَيْدِ بْنِ عُمَيْرٍ عن ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ‏:‏ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّ اللَّهَ تَجَاوَزَ لِي عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأَ وَالنِّسْيَانَ وَمَا اُسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ، حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ، حدثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ، حدثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حدثنا إسْمَاعِيلُ بْنُ إبْرَاهِيمَ، هُوَ ابْنُ عُلَيَّةَ عَنْ حَجَّاجٍ الصَّوَّافِ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ هِلاَلِ بْنِ أَبِي مَيْمُونَةَ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ الْحَكَمِ السُّلَمِيِّ قَالَ بَيْنَمَا أَنَا أُصَلِّي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إذْ عَطَسَ رَجُلٌ مِنْ الْقَوْمِ، فَقُلْتُ‏:‏ يَرْحَمُكَ اللَّهُ فَرَمَانِي الْقَوْمُ بِأَبْصَارِهِمْ، فَقُلْتُ‏:‏ وَاثُكْلَ أُمِّيَاهْ مَا شَأْنُكُمْ تَنْظُرُونَ إلَيَّ فَجَعَلُوا يَضْرِبُونَ بِأَيْدِيهِمْ عَلَى أَفْخَاذِهِمْ، فَلَمَّا رَأَيْتُهُمْ يُصَمِّتُونَنِي لَكِنِّي سَكَتُّ فَلَمَّا صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَبِأَبِي هُوَ وَأُمِّي مَا رَأَيْتُ مُعَلِّمًا قَبْلَهُ، وَلاَ بَعْدَهُ أَحْسَنَ تَعْلِيمًا مِنْهُ، فَوَاَللَّهِ مَا كَهَرَنِي، وَلاَ ضَرَبَنِي، وَلاَ شَتَمَنِي قَالَ‏:‏ إنَّ هَذِهِ الصَّلاَةَ لاَ يَصْلُحُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ كَلاَمِ النَّاسِ، إنَّمَا هُوَ التَّسْبِيحُ وَالتَّكْبِيرُ وَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ، أَوْ كَمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ‏.‏

قال علي‏:‏ هذا الْحَدِيثُ يُبْطِلُ قَوْلَ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لاَِنَّ فِيهِ أَنَّهُ كَانَ بَعْدَ تَحْرِيمِ الْكَلاَمِ فِي الصَّلاَةِ بِيَقِينٍ، وَلَمْ يُبْطِلْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلاَتَهُ‏.‏

فإن قيل‏:‏ وَلاَ أَمَرَهُ بِسُجُودِ السَّهْوِ

قلنا‏:‏ قَدْ صَحَّ الأَمْرُ بِالسُّجُودِ مَنْ زَادَ فِي صَلاَتِهِ أَوْ نَقَصَ، فَوَاجِبٌ ضَمُّ هَذَا الْحُكْمِ إلَى مَا وَقَعَ عَلَيْهِ، وَلاَ بُدَّ وَقَدْ

حدثنا عبد الله بن ربيع، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَخْبَرَنِي إبْرَاهِيمُ بْنُ يَعْقُوبَ، حدثنا الْحَسَنُ بْنُ مُوسَى، حدثنا شَيْبَانُ، حدثنا يَحْيَى بْنُ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، هُوَ ابْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ‏:‏ بَيْنَمَا أَنَا أُصَلِّي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلاَةَ الظُّهْرِ فَسَلَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ رَكْعَتَيْنِ، فَقَامَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ فَقَالَ‏:‏ يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَقَصُرَتْ الصَّلاَةُ أَمْ نَسِيتَ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ لَمْ تَقْصُرْ وَلَمْ أَنْسَ، فَقَالَ‏:‏ يَا رَسُولَ اللَّهِ، إنَّمَا صَلَّيْتَ رَكْعَتَيْنِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ أَحَقٌّ مَا يَقُولُ ذُو الْيَدَيْنِ قَالُوا‏:‏ نَعَمْ، فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَصَلَّى بِهِمْ رَكْعَتَيْنِ‏.‏

قَالَ عَلِيٌّ‏:‏ فَغَلَط فِي هَذَا الْخَبَرِ صِنْفَانِ‏:‏ أَحَدُهُمَا أَصْحَابُ أَبِي حَنِيفَةَ، وَالثَّانِي ابْنُ الْقَاسِمِ وَمَنْ وَافَقَهُ فأما أَصْحَابُ أَبِي حَنِيفَةَ فَإِنَّهُمْ قَالُوا‏:‏ لَعَلَّ هَذَا الْخَبَرَ كَانَ قَبْلَ تَحْرِيمِ الْكَلاَمِ فِي الصَّلاَةِ‏.‏ وَقَالُوا‏:‏ الرَّجُلُ الْمَذْكُورُ قُتِلَ يَوْمَ بَدْرٍ، ذَكَرَ ذَلِكَ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَالزُّهْرِيُّ‏.‏ وَعَمَدُوا إلَى لَفْظٍ ذَكَرَهُ بَعْضُ رُوَاةِ الْخَبَرِ وَهُوَ صَلَّى لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالُوا‏:‏ هَذَا إخْبَارٌ بِأَنَّهُ صَلَّى لِلْمُسْلِمِينَ‏.‏

قال علي‏:‏ وهذا كُلُّهُ بَاطِلٌ وَتَمْوِيهٌ وَظَنٌّ كَاذِبٌ‏:‏ أَمَّا قَوْلُهُمْ‏:‏ لَعَلَّهُ كَانَ قَبْلَ تَحْرِيمِ الْكَلاَمِ فَبَاطِلٌ؛ لاَِنَّ تَحْرِيمَ الْكَلاَمِ فِي الصَّلاَةِ كَانَ قَبْلَ يَوْمِ بَدْرٍ بِيَقِينٍ‏.‏

حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ، حدثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ، حدثنا الْفَرَبْرِيُّ، حدثنا الْبُخَارِيُّ، حدثنا ابْنُ نُمَيْرٍ، حدثنا ابْنُ فُضَيْلٍ هُوَ مُحَمَّدٌ، حدثنا الأَعْمَشُ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ كُنَّا نُسَلِّمُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ فِي الصَّلاَةِ فَيَرُدُّ عَلَيْنَا، فَلَمَّا رَجَعْنَا مِنْ عِنْدِ النَّجَاشِيِّ سَلَّمْنَا عَلَيْهِ فَلَمْ يَرُدَّ عَلَيْنَا، وَقَالَ‏:‏ إنَّ فِي الصَّلاَةِ شُغْلاً‏.‏

وَلاَ خِلاَفَ فِي أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ شَهِدَ بَدْرًا بَعْدَ إقْبَالِهِ مِنْ أَرْضِ الْحَبَشَةِ وَأَبُو هُرَيْرَةَ، وَعِمْرَانُ بْنُ الْحُصَيْنِ وَكِلاَهُمَا مُتَأَخِّرُ الإِسْلاَمِ يَذْكُرَانِ جَمِيعًا حَدِيثَ ذِي الْيَدَيْنِ، وَإِسْلاَمُهُمَا بَعْدَ بَدْرٍ بِأَعْوَامٍ

وَكَذَلِكَ مُعَاوِيَةُ بْنُ خَدِيجٍ أَيْضًا‏.‏

وَأَمَّا قَوْلُهُمْ‏:‏ إنَّ الرَّجُلَ الْمَذْكُورَ قُتِلَ يَوْمَ بَدْرٍ فَتَمْوِيهٌ بَارِدٌ، لِوُجُوهٍ‏:‏ أَحَدُهَا‏:‏ أَنَّ أَعْلَى مَنْ ذَكَرَ ذَلِكَ فَابْنُ الْمُسَيِّبِ، وَلَمْ يُولَدْ إلاَّ بَعْدَ بَدْرٍ بِبِضْعَةِ عَشَرَ عَامًا‏.‏

وَالثَّانِي‏:‏ أَنَّ الْمَقْتُولَ يَوْمَ بَدْرٍ إنَّمَا هُوَ ذُو الشِّمَالَيْنِ، وَاسْمُهُ عَبْدُ عَمْرٍو وَنَسَبُهُ الْخُزَاعِيُّ، وَالْمُكَلِّمُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُوَ ذُو الْيَدَيْنِ وَاسْمُهُ الْخِرْبَاقُ وَنَسَبُهُ سُلَمِيٌّ‏.‏

وَأَمَّا قَوْلُهُمْ‏:‏ إنَّ قَوْلَ أَبِي هُرَيْرَةَ صَلَّى لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إنَّمَا هُوَ إخْبَارٌ عَنْ صَلاَتِهِ بِالْمُسْلِمِينَ الَّذِينَ أَبُو هُرَيْرَةَ مَعَهُمْ‏:‏ فَبَاطِلٌ، يُبَيِّنُ ذَلِكَ قَوْلُ أَبِي هُرَيْرَةَ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ آنِفًا بَيْنَمَا أَنَا أُصَلِّي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَظَهَرَ فَسَادُ قَوْلِهِمْ‏.‏

فَإِنْ قَالُوا‏:‏ قِسْنَا السَّهْوَ فِي الْكَلاَمِ عَلَى الْعَمْدِ قِيلَ لَهُمْ‏:‏ الْقِيَاسُ كُلُّهُ بَاطِلٌ؛ ثُمَّ لَوْ صَحَّ لَكَانَ هَذَا مِنْهُ عَيْنَ الْبَاطِلِ؛ لاَِنَّ الْقَائِلِينَ بِالْقِيَاسِ مُجْمِعُونَ عَلَى أَنَّ الشَّيْءَ إنَّمَا يُقَاسُ عَلَى نَظِيرِهِ، لاَ عَلَى ضِدِّهِ، وَالنِّسْيَانُ ضِدُّ الْعَمْدِ ثُمَّ يُقَالُ لَهُمْ‏:‏ فَهَلاَّ قِسْتُمْ الْكَلاَمَ فِي الصَّلاَةِ سَهْوًا عَلَى السَّلاَمِ فِي الصَّلاَةِ سَهْوًا، فَهُوَ أَشْبَهُ بِهِ؛ لاَِنَّهُمَا مَعًا كَلاَمٌ فَأَيُّ شَيْءٍ قَصَدُوا بِهِ إلَى التَّفْرِيقِ بَيْنَهُمَا فَإِنَّ الْفَرْقَ بَيْنَ سَهْوِ الْكَلاَمِ وَعَمْدِهِ أَبْيَنُ وَأَوْضَحُ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏

وَأَمَّا ابْنُ الْقَاسِمِ وَمَنْ وَافَقَهُ فَإِنَّهُمْ أَجَازُوا بِهَذَا الْخَبَرِ كَلاَمَ النَّاسِ مَعَ الإِمَامِ فِي إصْلاَحِ الصَّلاَةِ‏.‏

قال علي‏:‏ وهذا خَطَأٌ، لاَِنَّ النَّاسَ إنَّمَا كَلَّمُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَطْ، وَتَعَمُّدُ الْكَلاَمِ مَعَهُ عليه السلام لاَ يَضُرُّ الصَّلاَةَ شَيْئًا، وَكَلَّمَهُمْ عليه السلام وَهُوَ يُقَدِّرُ أَنَّ صَلاَتَهُ قَدْ تَمَّتْ، وَأَنَّ الْكَلاَمَ لَهُ مُبَاحٌ؛ وَكَذَلِكَ تَكَلَّمَ النَّاسُ يَوْمئِذٍ بَعْضُهُمْ مَعَ بَعْضٍ وَهُمْ يَظُنُّونَ أَنَّ الصَّلاَةَ قَصُرَتْ وَتَمَّتْ‏.‏

حدثنا أحمد بن محمد بن الجسور، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي دُلَيْمٍ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ وَضَّاحٍ، حدثنا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ غُنْدَرٌ عَنْ شُعْبَةَ عَنْ حَبِيبِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ حَفْصِ بْنِ عَاصِمٍ عَنْ أَبِي سَعِيدِ بْنِ الْمُعَلَّى قَالَ كُنْتُ أُصَلِّي فَرَآنِي النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَدَعَانِي فَلَمْ آتِهِ حَتَّى صَلَّيْتُ، فَقَالَ‏:‏ مَا مَنَعَكَ أَنْ تَأْتِيَنِي قُلْتُ‏:‏ كُنْتُ أُصَلِّي، قَالَ‏:‏ أَلَمْ يَقُلْ اللَّهُ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إذَا دَعَاكُمْ‏}‏ ثُمَّ ذَكَرَ بَاقِيَ الْحَدِيثِ‏.‏

فَصَحَّ أَنَّ هَذَا بَعْدَ تَحْرِيمِ الْكَلاَمِ فِي الصَّلاَةِ، لاِمْتِنَاعِ أَبِي سَعِيدٍ مِنْ إجَابَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى أَتَمَّ الصَّلاَةَ، وَصَحَّ أَنَّ الْكَلاَمَ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مُبَاحٌ فِي الصَّلاَةِ هَذَا خَاصٌّ لَهُ، وَفِيهِ حَمْلُ اللَّفْظِ عَلَى الْعُمُومِ، وَإِجْمَاعُ أَهْلِ الإِسْلاَمِ الْمُتَيَقِّنِ عَلَى أَنَّ الْمُصَلِّيَ يَقُولُ فِي صَلاَتِهِ ‏"‏ السَّلاَمُ عَلَيْك أَيُّهَا النَّبِيُّ ‏"‏‏.‏ وَلاَ يَخْتَلِفُ الْحَاضِرُونَ مِنْ خُصُومِنَا عَلَى أَنَّ مَنْ قَالَ عَامِدًا فِي صَلاَتِهِ‏:‏ السَّلاَمُ عَلَيْك يَا فُلاَنُ، أَنَّ صَلاَتَهُ قَدْ بَطَلَتْ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏

381 - مسألة

وَلاَ يَحِلُّ لِلْمُصَلِّي أَنْ يَضُمَّ ثِيَابَهُ أَوْ يَجْمَعَ شَعْرَهُ قَاصِدًا بِذَلِكَ لِلصَّلاَةِ، لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي قَدْ ذَكَرْنَاهُ بِإِسْنَادِهِ أُمِرْتُ أَنْ أَسْجُدَ عَلَى سَبْعَةِ أَعْظُمَ وَأَنْ لاَ أَكْفِتَ شَعْرًا، وَلاَ ثَوْبًا‏.‏

382 - مسألة

وَفُرِضَ عَلَى الْمُصَلِّي أَنْ يَغُضَّ بَصَرَهُ عَنْ كُلِّ مَا لاَ يَحِلُّ لَهُ النَّظَرُ إلَيْهِ، لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ} {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ‏}‏‏.‏ مَنْ فَعَلَ فِي صَلاَتِهِ مَا حَرُمَ عَلَيْهِ فِعْلُهُ وَلَمْ يَشْتَغِلْ بِهَا فَلَمْ يُصَلِّ كَمَا أُمِرَ، فَلاَ صَلاَةَ لَهُ، إذْ لَمْ يَأْتِ بِالصَّلاَةِ الَّتِي أُمِرَ بِهَا‏.‏ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏ وَقَدْ رُوِيَ عَنْ مَالِكٍ‏:‏ مَنْ تَأَمَّلَ عَوْرَةَ إنْسَانٍ فِي صَلاَتِهِ بَطَلَتْ صَلاَتُهُ‏.‏

383 - مسألة

وَفُرِضَ عَلَيْهِ أَنْ لاَ يَضْحَكَ، وَلاَ يَتَبَسَّمَ عَمْدًا، فَإِنْ فَعَلَ بَطَلَتْ صَلاَتُهُ؛ وَإِنْ سَهَا بِذَلِكَ فَسُجُودُ السَّهْوِ فَقَطْ‏.‏

وَأَمَّا الْقَهْقَهَةُ فَإِجْمَاعٌ، وَأَمَّا التَّبَسُّمُ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ‏:‏ ‏{‏وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ‏}‏ وَالْقُنُوتُ الْخُشُوعُ، وَالتَّبَسُّمُ ضَحِكٌ، قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ‏:‏ ‏{‏فَتَبَسَّمَ ضَاحِكًا مِنْ قَوْلِهَا‏}‏ وَمَنْ ضَحِكَ فِي صَلاَتِهِ فَلَمْ يَخْشَعْ، وَمَنْ لَمْ يَخْشَعْ فَلَمْ يُصَلِّ كَمَا أُمِرَ‏.‏

رُوِّينَا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ‏.‏ أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ التَّبَسُّمِ فِي الصَّلاَةِ فَتَلاَ هَذِهِ الآيَةَ، وَقَالَ‏:‏ لاَ أَعْلَمُ التَّبَسُّمَ إلاَّ ضَحِكًا‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ الْقَاسِمِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ‏:‏ أَنَّهُ أَمَرَ أَصْحَابَهُ بِإِعَادَةِ الصَّلاَةِ مِنْ الضَّحِكِ‏.‏

قَالَ عَلِيٌّ‏:‏ إنَّمَا فَرَّقَ بَيْنَ الْقَهْقَهَةِ وَالتَّبَسُّمِ مَنْ يَقُولُ بِالاِسْتِحْسَانِ، فَيُفَرِّقُ بَيْنَ الْعَمَلِ الْكَثِيرِ وَالْقَلِيلِ، وَهَذَا بَاطِلٌ، وَفَرْقٌ لاَ دَلِيلَ عَلَيْهِ إلاَّ الدَّعْوَى، وَلاَ يَخْلُو الضَّحِكُ مِنْ أَنْ يَكُونَ مُبَاحًا فِي الصَّلاَةِ أَوْ مُحَرَّمًا فِي الصَّلاَةِ فَإِنْ كَانَ مُحَرَّمًا فَقَلِيلُهُ وَكَثِيرُهُ سَوَاءٌ فِي التَّحْرِيمِ‏.‏ وَإِنْ كَانَ مُبَاحًا فَقَلِيلُهُ وَكَثِيرُهُ سَوَاءٌ فِي الإِبَاحَةِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏

384 - مسألة

وَأَنْ لاَ يَمْسَحَ الْحَصَا أَوْ مَا يَسْجُدُ عَلَيْهِ إلاَّ مَرَّةً وَاحِدَةً؛ وَتَرْكُهَا أَفْضَلُ، لَكِنْ يُسَوِّي مَوْضِعَ سُجُودِهِ قَبْلَ دُخُولِهِ فِي الصَّلاَةِ‏.‏ حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ، حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ، حدثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حدثنا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ عَنْ هِشَامٍ الدَّسْتُوَائِيِّ حَدَّثَنِي ابْنُ أَبِي كَثِيرٍ هُوَ يَحْيَى عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ مُعَيْقِيبٍ أَنَّهُمْ سَأَلُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ الْمَسْحِ فِي الصَّلاَةِ فَقَالَ‏:‏ وَاحِدَةٌ‏.‏ قَالَ مُسْلِمٌ‏:‏ وَثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حدثنا الْحَسَنُ بْنُ مُوسَى، حدثنا شَيْبَانُ عَنْ يَحْيَى، هُوَ ابْنُ أَبِي كَثِيرٍ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ حَدَّثَنِي مُعَيْقِيبٌ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ فِي الرَّجُلِ يُسَوِّي التُّرَابَ حَيْثُ يَسْجُدُ، قَالَ‏:‏ إنْ كُنْتَ فَاعِلاً فَوَاحِدَةً‏.‏

385 - مسألة

وَيَقْطَعُ صَلاَةَ الْمُصَلِّي كَوْنُ الْكَلْبِ بَيْنَ يَدَيْهِ، مَارًّا أَوْ غَيْرَ مَارٍّ، صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا، حَيًّا أَوْ مَيِّتًا، أَوْ كَوْنُ الْحِمَارِ بَيْنَ يَدَيْهِ كَذَلِكَ أَيْضًا، وَكَوْنُ الْمَرْأَةِ بَيْنَ يَدَيْ الرَّجُلِ، مَارَّةً أَوْ غَيْرَ مَارَّةٍ، صَغِيرَةً أَوْ كَبِيرَةً إلاَّ أَنْ تَكُونَ مُضْطَجِعَةً مُعْتَرِضَةً فَقَطْ، فَلاَ تَقْطَعُ الصَّلاَةَ حِينَئِذٍ، وَلاَ يَقْطَعُ النِّسَاءُ بَعْضُهُنَّ صَلاَةَ بَعْضٍ فَإِنْ كَانَ بَيْنَ يَدَيْ الْمُصَلِّي شَيْءٌ مُرْتَفِعٌ بِقَدْرِ الذِّرَاعِ وَهُوَ قَدْرُ مُؤَخِّرَةِ الرَّحْلِ الْمَعْهُودَةِ عِنْدَ الْعَرَبِ، وَلاَ نُبَالِي بِغِلَظِهَا لَمْ يَضُرَّ صَلاَتَهُ كُلُّ مَا كَانَ وَرَاءَ السُّتْرَةِ مِمَّا ذَكَرْنَا، وَلاَ مَا كَانَ مِنْ كُلِّ ذَلِكَ فَوْقَ السُّتْرَةِ‏.‏ وَمَنْ حَمَلَ صَبِيَّةً صَغِيرَةً عَلَى عُنُقِهِ فِي الصَّلاَةِ لَمْ تَبْطُلْ صَلاَتُهُ، وَسَوَاءٌ عَلِمَ الْمُصَلِّي بِذَلِكَ أَوْ لَمْ يَعْلَمْ بُرْهَانُ ذَلِكَ‏:‏ مَا حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ، حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ، حدثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ، حدثنا إِسْحَاقُ بْنُ إبْرَاهِيمَ، هُوَ ابْنُ رَاهْوَيْهِ، حدثنا الْمَخْزُومِيُّ هُوَ أَبُو هِشَامٍ الْمُغِيرَةُ بْنُ سَلَمَةَ، حدثنا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ زِيَادٍ، حدثنا عُبَيْدُ اللَّهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الأَصَمِّ، حدثنا يَزِيدُ بْنُ الأَصَمِّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ‏:‏ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ يَقْطَعُ الصَّلاَةَ الْمَرْأَةُ، وَالْحِمَارُ، وَالْكَلْبُ، وَيَقِي ذَلِكَ مِثْلُ مُؤَخِّرَةِ الرَّحْلِ‏.‏

حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ خَالِدٍ، حدثنا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَحْمَدَ، حدثنا الْفَرَبْرِيُّ، حدثنا الْبُخَارِيُّ، حدثنا مُسَدَّدٌ، حدثنا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ، هُوَ ابْنُ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ إنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُرْكَزُ لَهُ الْحَرْبَةُ فَيُصَلِّي إلَيْهَا‏.‏

وَقَدْ رُوِّينَا أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ أَنَسٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ يَقْطَعُ الصَّلاَةَ‏:‏ الْكَلْبُ، وَالْحِمَارُ، وَالْمَرْأَةُ‏.‏

فإن قيل‏:‏ فَقَدْ رَوَيْتُمْ مِنْ طَرِيقِ أَبِي ذَرٍّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ إذَا قَامَ أَحَدُكُمْ فَصَلَّى فَإِنَّهُ يَسْتُرُهُ إذَا كَانَ بَيْنَ يَدَيْهِ مِثْلُ آخِرَةِ الرَّحْلِ، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ بَيْنَ يَدَيْهِ مِثْلُ آخِرَةِ الرَّحْلِ فَإِنَّهُ يَقْطَعُ صَلاَتَهُ‏:‏ الْحِمَارُ وَالْمَرْأَةُ، وَالْكَلْبُ الأَسْوَدُ‏.‏

قلنا‏:‏ نَعَمْ، وَحَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَنَسٍ فِيهِمَا زِيَادَةٌ عَلَى حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ، وَالزِّيَادَةُ الْوَارِدَةُ فِي الدِّينِ عَنْ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فُرِضَ قَبُولُهَا، وَمَنْ فَعَلَ هَذَا فَقَدْ أَخَذَ بِحَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ وَلَمْ يُخَالِفْهُ؛ لاَِنَّهُ لَيْسَ فِي حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ إلاَّ ذِكْرُ الأَسْوَدِ فَقَطْ، وَمَنْ اقْتَصَرَ عَلَى مَا فِي حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ فَقَدْ خَالَفَ رِوَايَةَ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَنَسٍ، وَهَذَا لاَ يَحِلُّ‏.‏

وَأَمَّا كَوْنُ الْمَرْأَةِ مُعْتَرِضَةً لاَ تَقْطَعُ الصَّلاَةَ؛ فَإِنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ يُوسُفَ حَدَّثَنَا قَالَ‏:‏ حدثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ، حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ، حدثنا مُسْلِمٌ الْحَجَّاجُ، حدثنا عُمَرُ بْنُ حَفْصِ بْنِ غِيَاثٍ، حدثنا أَبِي، حدثنا الأَعْمَشُ، حدثنا إبْرَاهِيمُ هُوَ النَّخَعِيُّ وَمُسْلِمٌ هُوَ أَبُو الضُّحَى كِلاَهُمَا عَنْ مَسْرُوقٍ عَنْ عَائِشَةَ وَاَللَّهِ لَقَدْ رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي وَإِنِّي عَلَى السَّرِيرِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْقِبْلَةِ مُضْطَجِعَةً، فَتَبْدُو لِي الْحَاجَةُ فَأَكْرَهُ أَنْ أَجْلِسَ فَأُوذِيَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَنْسَلُّ مِنْ عِنْدِ رِجْلَيْهِ‏.‏

قَالَ عَلِيٌّ‏:‏ فَقَدْ فَرَّقَتْ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ بَيْنَ حَالِ جُلُوسِهَا بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يُصَلِّي، فَأَخْبَرَتْ بِأَنَّهُ أَذًى لَهُ، وَبَيْنَ اضْطِجَاعِهَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُوَ يُصَلِّي فَلَمْ تَرَهُ أَذًى، وَهَذَا نَصُّ قَوْلِنَا، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَقَدْ ذَكَرْنَا صَلاَةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَامِلاً أُمَامَةَ بِنْتَ أَبِي الْعَاصِ عَلَى عُنُقِهِ فَاسْتَثْنَيْنَا مَا اسْتَثْنَاهُ النَّصُّ، وَأَبْقَيْنَا مَا أَبْقَاهُ النَّصُّ‏.‏ وَقَدْ قَالَ بِهَذَا جَمَاعَةٌ مِنْ السَّلَفِ‏.‏

رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ، حدثنا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي يَزِيدَ أَنَّهُ سَمِعَ ابْنَ عَبَّاسٍ قَالَ‏:‏ يَقْطَعُ الصَّلاَةَ‏:‏ الْكَلْبُ، وَالْمَرْأَةُ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ، حدثنا شُعْبَةُ عَنْ قَتَادَةَ‏:‏ سَمِعْتُ جَابِرَ بْنَ زَيْدٍ يَقُولُ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ‏:‏ يَقْطَعُ الصَّلاَةَ‏:‏ الْكَلْبُ، وَالْحِمَارُ، وَالْمَرْأَةُ‏.‏ وَهَذَانِ سَنَدَانِ لاَ يُوجَدُ أَصَحُّ مِنْهُمَا

وَمِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ‏:‏ يَقْطَعُ الصَّلاَةَ‏:‏ الْكَلْبُ، وَالْحِمَارُ، وَالْمَرْأَةُ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ الْحَجَّاجِ بْنِ الْمِنْهَالِ، حدثنا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُزَنِيِّ قَالَ‏:‏ كُنْت أُصَلِّي إلَى جَنْبِ ابْنِ عُمَرَ فَدَخَلَ بَيْنِي وَبَيْنَهُ يُرِيدُ جَرْوًا فَمَرَّ بَيْنَ يَدَيَّ فَقَالَ لِي ابْنُ عُمَرَ‏:‏ أَمَّا أَنْتَ فَأَعِدْ الصَّلاَةَ؛ وَأَمَّا أَنَا فَلاَ أُعِيدُ؛ لاَِنَّهُ لَمْ يَمُرَّ بَيْنَ يَدَيَّ

وَمِنْ طَرِيقِ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ عَنْ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ عَنْ بَكْرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْمُزَنِيِّ‏:‏ أَنَّ جَرْوًا مَرَّ بَيْنَ يَدَيْ ابْنِ عُمَرَ فَقَطَعَ عَلَيْهِ صَلاَتَهُ وَهَذَا أَيْضًا أَصَحُّ إسْنَادٍ يَكُونُ

وَمِنْ طَرِيقِ عَلِيِّ بْنِ الْمَدِينِيِّ‏:‏ حَدَّثَنَا مُعَاذُ بْنُ هِشَامٍ الدَّسْتُوَائِيُّ، حدثنا أَبِي عَنْ قَتَادَةَ عَنْ زُرَارَةَ بْنِ أَوْفَى عَنْ سَعْدِ بْنِ هِشَامٍ عَنْ عَامِرٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ‏:‏ يَقْطَعُ الصَّلاَةَ‏:‏ الْكَلْبُ، وَالْحِمَارُ، وَالْمَرْأَةُ وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُبَارَكِ حَدَّثَنِي سُلَيْمَانَ بْنِ الْمُغِيرَةِ عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلاَلٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الصَّامِتِ قَالَ‏:‏ صَلَّى الْحَكَمُ بْنُ عَمْرٍو الْغِفَارِيُّ بِالنَّاسِ فِي سَفَرٍ وَبَيْنَ يَدَيْهِ سُتْرَةٌ، فَمَرَّتْ حَمِيرٌ بَيْنَ يَدَيْ أَصْحَابِهِ فَأَعَادَ بِهِمْ الصَّلاَةَ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ حُمَيْدٍ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ مُسْلِمٍ الْمَكِّيِّ عَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ شَيْبَةَ عَنْ عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ قَالَتْ‏:‏ جَعَلْتُمُونَا بِمَنْزِلَةِ الْكَلْبِ، وَالْحِمَارِ؛ وَإِنَّمَا يَقْطَعُ الصَّلاَةَ‏:‏ الْكَلْبُ، وَالْحِمَارُ، وَالسِّنَّوْرُ

وَمِنْ طَرِيقِ سُفْيَانَ بْنِ عُيَيْنَةَ عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَبَّاسٍ قَالَ‏:‏ يَقْطَعُ الصَّلاَةَ‏:‏ الْكَلْبُ، وَالْحِمَارُ ‏.‏

وَهُوَ قَوْلُ عَطَاءٍ، وَابْنِ جُرَيْجٍ، إلاَّ أَنَّهُمَا خَصَّا‏:‏ الْكَلْبَ الأَسْوَدَ، وَالْمَرْأَةَ الْحَائِضَ وَعَنْ عِكْرِمَةَ‏:‏ يَقْطَعُ الصَّلاَةَ‏:‏ الْكَلْبُ، وَالْمَرْأَةُ الْحَائِضُ ‏.‏

وَمِنْ طَرِيقِ شُعْبَةَ عَنْ زِيَادِ بْنِ فَيَّاضٍ قَالَ‏:‏ سَمِعْت أَبَا الأَحْوَصِ هُوَ صَاحِبُ ابْنِ مَسْعُودٍ يَقُولُ‏:‏ يَقْطَعُ الصَّلاَةَ‏:‏ الْكَلْبُ، وَالْمَرْأَةُ، وَالْحِمَارُ‏.‏

وقال أحمد بْنُ حَنْبَلٍ‏:‏ يَقْطَعُ الصَّلاَةَ‏:‏ الْكَلْبُ الأَسْوَدُ، وَالْحِمَارُ، وَالْمَرْأَةُ إلاَّ أَنْ تَكُونَ مُضْطَجِعَةً

قَالَ عَلِيٌّ‏:‏

وقال أبو حنيفة، وَمَالِكٌ، وَالشَّافِعِيُّ‏:‏ لاَ يَقْطَعُ الصَّلاَةَ شَيْءٌ مِنْ هَذَا كُلِّهِ وَمَا نَعْلَمُ لَهُمْ حُجَّةً إلاَّ حَدِيثَ عَائِشَةَ، وَهُوَ حُجَّةٌ عَلَيْهِمْ كَمَا أَوْرَدْنَاهُ‏.‏ وَحَدِيثًا رُوِّينَاهُ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَقْبَلْت رَاكِبًا عَلَى أَتَانٍ وَأَنَا يَوْمَئِذٍ قَدْ نَاهَزْت الاِحْتِلاَمَ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي بِالنَّاسِ بِمِنًى، فَمَرَرْتُ بَيْنَ يَدَيْ الصَّفِّ، فَنَزَلْتُ فَأَرْسَلْتُ الأَتَانَ تَرْتَعُ وَدَخَلَتْ فِي الصَّفِّ، فَلَمْ يُنْكِرْ ذَلِكَ عَلَيَّ أَحَدٌ‏.‏

قال علي‏:‏ وهذا لاَ حُجَّةَ فِيهِ لِوُجُوهٍ‏:‏ أَوَّلُهُمَا‏:‏ مَا حَدَّثَنَاهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ، حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ، حدثنا مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حدثنا شُعْبَةُ عَنْ الْحَكَمِ، هُوَ ابْنُ عُتَيْبَةَ سَمِعْت أَبَا جُحَيْفَةَ قَالَ خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْهَاجِرَةِ إلَى الْبَطْحَاءِ فَتَوَضَّأَ وَصَلَّى الظُّهْرَ رَكْعَتَيْنِ وَبَيْنَ يَدَيْهِ عَنَزَةٌ‏.‏ وَزَادَ فِيهِ عَوْنُ بْنُ أَبِي جُحَيْفَةَ عَنْ أَبِيهِ وَكَانَ يَمُرُّ مِنْ وَرَائِهَا الْحِمَارُ وَالْمَرْأَةُ‏.‏

وبه إلى مُسْلِمٍ‏:‏ حدثنا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُعَاذِ بْنِ مُعَاذٍ الْعَنْبَرِيُّ، حدثنا أُبَيٌّ، حدثنا شُعْبَةُ عَنْ يَعْلَى، هُوَ ابْنُ عَطَاءٍ سَمِعَ أَبَا عَلْقَمَةَ سَمِعَ أَبَا هُرَيْرَةَ يَقُولُ‏:‏ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ إنَّمَا الإِمَامُ جُنَّةٌ، فَإِذَا صَلَّى قَاعِدًا فَصَلُّوا قُعُودًا‏.‏

قَالَ عَلِيٌّ‏:‏ فَمَا لَمْ يَحِلَّ بَيْنَ الإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ مِمَّا ذَكَرْنَا فَلاَ يَقْطَعُ الصَّلاَةَ؛ لاَِنَّ الإِمَامَ سُتْرَةٌ لِجَمِيعِ الْمَأْمُومِينَ، وَلَوْ امْتَدَّ الصَّفُّ فَرَاسِخَ بُرْهَانُ ذَلِكَ‏:‏ الإِجْمَاعُ الْمُتَيَقَّنُ الَّذِي لاَ شَكَّ فِيهِ فِي أَنَّ سُتْرَةَ الإِمَامِ لاَ يُكَلَّفُ أَحَدٌ مِنْ الْمَأْمُومِينَ اتِّخَاذَ سُتْرَةٍ أُخْرَى؛ بَلْ اكْتَفَى الْجَمِيعُ بِالْعَنَزَةِ الَّتِي كَانَ عليه السلام يُصَلِّي إلَيْهَا، فَلَمْ تَدْخُلْ أَتَانُ ابْنِ عَبَّاسٍ بَيْنَ النَّاسِ وَبَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلاَ بَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَيْنَ سُتْرَتِهِ

وَأَيْضًا‏:‏ فَقَدْ ثَبَتَ عن ابْنِ عَبَّاسٍ كَمَا أَوْرَدْنَا قَبْلُ أَنَّ الْحِمَارَ، وَالْمَرْأَةَ وَالْكَلْبَ يَقْطَعُ الصَّلاَةَ، وَعَهْدُنَا بِهِمْ يَقُولُونَ‏:‏ إنَّ الرَّاوِيَ مِنْ الصَّحَابَةِ أَعْلَمُ بِمَا رَوَى ثُمَّ لَوْ صَحَّ غَيْرُ هَذَا وَهُوَ لاَ يَصِحُّ لَكَانَ مَا رَوَاهُ أَبُو هُرَيْرَةَ، وَأَنَسٌ، وَأَبُو ذَرٍّ هُوَ النَّاسِخَ بِيَقِينٍ لاَ شَكَّ فِيهِ لِمَا كَانُوا عَلَيْهِ قَبْلَ وُرُودِ مَا رَوَوْهُ وَذَكَرُوا خَبَرَيْنِ‏:‏ أَحَدُهُمَا مِنْ طَرِيقِ الْعَبَّاسِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ الْعَبَّاسِ عَنْ الْفَضْلِ بْنِ الْعَبَّاسِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَارَ الْعَبَّاسَ فَصَلَّى وَبَيْنَ يَدَيْهِ حِمَارَةٌ وَكُلَيْبَةٌ‏.‏

قال علي‏:‏ وهذا بَاطِلٌ، لاَِنَّ الْعَبَّاسَ بْنَ عُبَيْدِ اللَّهِ لَمْ يُدْرِكْ عَمَّهُ الْفَضْلَ وَحَدِيثٌ مِنْ طَرِيقِ مُجَالِدٍ عَنْ أَبِي الْوَدَّاكِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لاَ يَقْطَعُ الصَّلاَةَ شَيْءٌ، وَادْرَءُوا مَا اسْتَطَعْتُمْ‏.‏

قَالَ عَلِيٌّ‏:‏ أَبُو الْوَدَّاكِ ضَعِيفٌ، وَمُجَالِدٌ مِثْلُهُ‏.‏ ثُمَّ لَوْ صَحَّ كُلُّ هَذَا لَمَا وَجَبَ الأَخْذُ بِإِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ دُونَ الآُخْرَى إلاَّ بِحُجَّةٍ بَيِّنَةٍ، لاَ بِالْهَوَى وَالْمُطَارَفَةِ، فَلَوْ صَحَّتْ هَذِهِ الآثَارُ وَهِيَ لاَ تَصِحُّ لَكَانَ حُكْمُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِأَنَّ الْكَلْبَ، وَالْحِمَارَ، وَالْمَرْأَةَ يَقْطَعُونَ الصَّلاَةَ هُوَ النَّاسِخَ لِمَا كَانُوا عَلَيْهِ قَبْلُ، مِنْ أَنْ لاَ يَقْطَعَ الصَّلاَةَ شَيْءٌ مِنْ الْحَيَوَانِ، كَمَا لاَ يَقْطَعُهَا‏:‏ الْفَرَسُ، وَالسِّنَّوْرُ، وَالْخِنْزِيرُ، وَغَيْرُ ذَلِكَ؛ فَمِنْ الْبَاطِلِ الَّذِي لاَ يَخْفَى، وَلاَ يَحِلُّ تَرْكُ النَّاسِخِ الْمُتَيَقَّنِ وَالأَخْذُ بِالْمَنْسُوخِ الْمُتَيَقَّنِ‏.‏ وَمِنْ الْمُحَالِ أَنْ تَعُودَ الْحَالَةُ الْمَنْسُوخَةُ ثُمَّ لاَ يُبَيِّنُ عليه السلام عَوْدَهَا‏.‏

وَاحْتَجَّ بَعْضُ الْمُخَالِفِينَ بِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏إلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ‏}‏ قَالَ‏:‏ فَمَا يَقْطَعُ هَذَا‏.‏

قَالَ عَلِيٌّ‏:‏ يَقْطَعُهُ عِنْدَ هَؤُلاَءِ الْمُشْغِبِينَ‏:‏ قُبْلَةُ الرَّجُلِ امْرَأَتَهُ، وَمَسُّهُ ذَكَرَهُ، وَأَكْثَرُ مِنْ الدِّرْهَمِ الْبَغْلِيِّ مِنْ بَوْلٍ، وَيَقْطَعُهُ عِنْدَ الْكُلِّ‏:‏ رُوَيْحَةٌ تَخْرُجُ مِنْ الدُّبُرِ مُتَعَمَّدَةً

وَأَمَّا النِّسَاءُ فَقَدْ أَخْبَرَ عليه السلام‏:‏ أَنَّ خَيْرَ صُفُوفِهِنَّ آخِرُهَا‏.‏

فَصَحَّ أَنَّهُ لاَ يَقْطَعُ بَعْضُهُنَّ صَلاَةَ بَعْضٍ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏

386 - مسألة

وَلاَ يَحِلُّ لِلْمُصَلِّي أَنْ يَرْفَعَ بَصَرَهُ إلَى السَّمَاءِ، وَلاَ عِنْدَ الدُّعَاءِ فِي غَيْرِ الصَّلاَةِ أَيْضًا

حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ فَتْحٍ، حدثنا عَبْدُ الْوَهَّابِ بْنُ عِيسَى، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ، حدثنا ابْنُ الْحَجَّاجِ، حدثنا أَبُو كُرَيْبٍ، حدثنا أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنْ الأَعْمَشِ عَنْ الْمُسَيِّبِ بْنِ رَافِعٍ عَنْ تَمِيمِ بْنِ طَرَفَةَ عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ‏:‏ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ‏:‏ لَيَنْتَهِيَنَّ أَقْوَامٌ يَرْفَعُونَ أَبْصَارَهُمْ إلَى السَّمَاءِ فِي الصَّلاَةِ أَوْ لاَ تَرْجِعُ إلَيْهِمْ‏.‏

وَرُوِّينَا أَيْضًا مِنْ طَرِيقٍ صَحِيحَةٍ عَنْ أَنَسٍ وَابْنِ عُمَرَ وَأَبِي هُرَيْرَةَ‏.‏ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَعِيدِ بْنِ نُبَاتٍ، حدثنا ابْنُ مُفَرِّجٍ، حدثنا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ الْوَرْدِ، حدثنا يَحْيَى بْنُ أَيُّوبَ بْنِ بَادِي الْعَلاَّفُ، حدثنا يَحْيَى، هُوَ ابْنُ بُكَيْرٍ، حدثنا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ عَنْ جَعْفَرِ بْنِ رَبِيعَةَ عَنْ عِرَاكِ بْنِ مَالِكٍ وَالأَعْرَجِ كِلاَهُمَا عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ‏:‏ لَيَنْتَهِيَنَّ أُنَاسٌ عَنْ رَفْعِ أَبْصَارِهِمْ عِنْدَ الدُّعَاءِ إلَى السَّمَاءِ حَتَّى لَتُخْطَفَ‏.‏

قال علي‏:‏ هذا وَعِيدٌ شَدِيدٌ، وَالْوَعِيدُ لاَ يَكُونُ إلاَّ عَلَى كَبِيرَةٍ مِنْ الْحَرَامِ، لاَ عَلَى مُبَاحٍ مَكْرُوهٍ أَصْلاً، وَلاَ عَلَى صَغِيرَةٍ مَغْفُورَةٍ وَقَالَ بِهَذَا طَائِفَةٌ مِنْ السَّلَفِ

كَمَا رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَهْدِيٍّ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ زِيَادٍ عَنْ فَيَّاضٍ عَنْ تَمِيمِ بْنِ سَلَمَةَ قَالَ رَأَى ابْنُ مَسْعُودٍ قَوْمًا رَافِعِي أَبْصَارِهِمْ إلَى السَّمَاءِ فِي الصَّلاَةِ فَقَالَ‏:‏ لَيَنْتَهِيَنَّ أَقْوَامٌ يَرْفَعُونَ أَبْصَارَهُمْ فِي الصَّلاَةِ أَوْ لاَ تَرْجِعُ إلَيْهِمْ وَقَالَ أَيْضًا‏:‏ أَوْ مَا يَخْشَى أَحَدُكُمْ إذَا رَفَعَ رَأْسَهُ قَبْلَ الإِمَامِ أَنْ يُحَوِّلَ اللَّهُ تَعَالَى رَأْسَهُ رَأْسَ كَلْبٍ

وَمِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُدَيْرٍ عَنْ أَبِي مِجْلَزٍ قَالَ‏:‏ أَمَا يَخْشَى الَّذِي يَرْفَعُ بَصَرَهُ إلَى السَّمَاءِ أَنْ يُخْتَلَسُ بَصَرُهُ ‏"‏، أَلاَ أَرَى أَنَّهُ كَانَ الْمَلاَئِكَةُ تَنْزِلُ

قَالَ عَلِيٌّ‏:‏ مِنْ الْعَجَبِ أَنْ يَكُونَ الْحَنَفِيُّونَ يُبْطِلُونَ صَلاَةَ مَنْ صَلَّى خَلْفَ إمَامٍ وَإِلَى جَانِبِهِ امْرَأَةٌ تُصَلِّي بِصَلاَةِ ذَلِكَ الإِمَامِ وَهُوَ لاَ يَقْدِرُ عَلَى إزَالَتِهَا وَصَلاَةَ مَنْ تَكَلَّمَ سَاهِيًا فِي صَلاَتِهِ وَالْمَالِكِيُّونَ يُبْطِلُونَ صَلاَةَ مَنْ صَلَّى وَقَدْ تَوَضَّأَ بِمَاءٍ بُلَّ فِيهِ خُبْزٌ وَالشَّافِعِيُّونَ يُبْطِلُونَ صَلاَةَ مَنْ صَلَّى وَعَلَى ثِيَابِهِ شَعْرٌ مِنْ شَعْرِهِ نَفْسِهِ قَدْ سَقَطَ مِنْ لِحْيَتِهِ وَرَأْسِهِ وَمَا جَاءَ قَطُّ نَصٌّ، وَلاَ دَلِيلٌ عَلَى بُطْلاَنِ صَلاَةِ أَحَدٍ مِنْ هَؤُلاَءِ، ثُمَّ يُجِيزُونَ صَلاَةَ مَنْ تَعَمَّدَ فِي صَلاَتِهِ عَمَلاً صَحَّ النَّصُّ بِتَحْرِيمِهِ عَلَيْهِ وَشِدَّةِ الْوَعِيدِ فِيهِ وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ‏.‏

387 - مسألة

فَإِنْ صَلَّتْ امْرَأَةٌ إلَى جَنْبِ رَجُلٍ لاَ تَأْتَمُّ بِهِ، وَلاَ بِإِمَامِهِ فَذَلِكَ جَائِزٌ فَإِنْ كَانَ لاَ يَنْوِي أَنْ يَؤُمَّهَا وَنَوَتْ هِيَ ذَلِكَ فَصَلاَتُهُ تَامَّةٌ وَصَلاَتُهَا بَاطِلَةٌ فَإِنْ نَوَى أَنْ يَؤُمَّهَا وَهِيَ قَادِرَةٌ عَلَى التَّأَخُّرِ عَنْهُ فَصَلاَتُهُمَا جَمِيعًا فَاسِدَةٌ فَإِنْ كَانَا جَمِيعًا مُؤْتَمَّيْنِ بِإِمَامٍ وَاحِدٍ، وَلاَ تَقْدِرُ هِيَ، وَلاَ هُوَ عَلَى مَكَان آخَرَ فَصَلاَتُهُمَا تَامَّةٌ وَإِنْ كَانَتْ قَادِرَةً عَلَى التَّأَخُّرِ وَهُوَ غَيْرُ قَادِرٍ عَلَى تَأْخِيرِهَا فَصَلاَتُهَا بَاطِلَةٌ وَصَلاَتُهُ تَامَّةٌ فَلَوْ قَدَرَ عَلَى تَأْخِيرِهَا فَلَمْ يَفْعَلْ فَصَلاَتُهُمَا جَمِيعًا بَاطِلَةٌ‏.‏

حدثنا عبد الله بن ربيع، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَنَا عَمْرُو بْنُ عَلِيٍّ، حدثنا يَحْيَى، هُوَ ابْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ، حدثنا شُعْبَةُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُخْتَارِ عَنْ مُوسَى بْنِ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ أَبِيهِ قَالَ‏:‏ صَلَّى بِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبِامْرَأَةٍ مِنْ أَهْلِي، فَأَقَامَنِي عَنْ يَمِينِهِ، وَالْمَرْأَةُ خَلْفَنَا‏.‏

حدثنا عبد الله بن ربيع، حدثنا مُحَمَّدُ بْنُ مُعَاوِيَةَ، حدثنا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ عَنْ مَالِكِ بْنِ أَنَسٍ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَّى بِهِمْ، قَالَ أَنَسٌ‏:‏ فَصَفَفْتُ أَنَا وَالْيَتِيمُ وَرَاءَهُ، وَالْعَجُوزُ مِنْ وَرَائِنَا، فَصَلَّى لَنَا رَكْعَتَيْنِ وَانْصَرَفَ‏.‏

فَصَحَّ أَنَّ مَقَامَ الْمَرْأَةِ، وَالْمَرْأَتَيْنِ، وَالأَكْثَرِ إنَّمَا هُوَ خَلْفَ الرِّجَالِ، وَلاَ بُدَّ لاَ مَعَ رَجُلٍ وَاحِدٍ أَصْلاً، وَلاَ أَمَامَهُ، وَأَنَّ مَوْقِفَ الرَّجُلِ وَالرَّجُلَيْنِ وَالأَكْثَرِ إنَّمَا هُوَ أَمَامَ الْمَرْأَةِ، وَالْمَرْأَتَيْنِ، وَالأَكْثَرِ، وَلاَ بُدَّ‏.‏ فَمَنْ تَعَدَّى مَوْضِعَهُ الَّذِي أَمَرَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُصَلِّيَ فِيهِ وَصَلَّى حَيْثُ مَنَعَهُ اللَّهُ كَذَلِكَ‏:‏ فَقَدْ عَصَى اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ فِي عَمَلِهِ ذَلِكَ، وَلَمْ يَأْتِ بِالصَّلاَةِ الَّتِي أَمَرَ اللَّهُ بِهَا وَالْمَعْصِيَةُ لاَ تُجْزِئُ عَنْ الطَّاعَةِ‏.‏

وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَبَعْضِ أَصْحَابِ أَبِي سُلَيْمَانَ‏.‏

وَأَمَّا مَنْ عَجَزَ عَنْ الْمَكَانِ الَّذِي أُمِرَ بِهِ وَلَمْ يَقْدِرْ عَلَى غَيْرِهِ فَقَدْ قَالَ تَعَالَى‏:‏ ‏{‏وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إلاَّ مَا اُضْطُرِرْتُمْ إلَيْهِ‏}‏‏.‏

وَقَالَ عليه السلام‏:‏ إذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأُتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ‏.‏